المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام
مدخل إلى اللامركزية في النظام الإداري السوري

مدخل إلى اللامركزية في النظام الإداري السوري

 

إعداد: د. علي علاو- دكتوراه في القانون العام/ الإدارة العامة/ جامعة دمشق

تاريخ النشر: 2020/01/14

 

مقدمة

تتميز الإدارة، التي تذهب في أبسط تعاريفها بأنها: تحقيق الأهداف من خلال الآخرين، بأنها لا تقتصر على مسمى تنظيمي محدّدٍ، بل أنها ترافق الانسان في حلّه وترحاله بمبادئها الأربعة، تخطيط، تنظيم، توجيه، ورقابة.

 

فالإنسان يحتاجها جميعا بكل خطوات حياته فهي بالأحرى منهج حياة، وقد كان للإدارة العامة تاريخ طويل يعود إلى العصور القديمة، أما دراستها بصورتها الحالية نشأت في العصور الوسطى، وتتابعت التطورات وزاد الاهتمام بها واستمرت إلى عهد محمد علي في مصر، ويحكم علم الإدارة العامة قوانين وأنظمة تبرز لها ثلاثة أمور أساسية، لابد من الالتزام بها، وهي ما تطالبها السلطة التشريعية بإنجازه، وحدود صلاحيات الأفراد لديها، وبيان الحقوق الأساسية للجماعات والأفراد في مجتمعاتها المحلية، والتي يجب على موظفي الحكومة مراعاتها.

 

   حظي التنظيم الإداري على وجه العموم، بأهمية كبيرة في القانون الإداري والدستوري في وقت واحد، فالتنظيم الإداري بات من الضرورة بمكان بحيث لا يمكن الاستغناء عنه في الدولة الحديثة، من أجل أن تنهض بمهامها ووظائفها بشكل تستطيع معه تحقيق الأهداف والبرامج والخطط المعتمدة؛ ولا يتحقق ذلك إلا من خلال تنظيم الجهاز الإداري للدولة بشكل يسمح بتعدد شخوصها الإدارية، وهيكلتها، لبيان مهامها واختصاصاتها على وجه التحديد، وكيفية ممارسة هذه الاختصاصات.

 

وسنناقش في هذه الدراسة "مدخل إلى اللامركزية في النظام الإداري السوري" في ثلاثة مباحث، نسلط الضوء على ماهية النظام الإداري من خلال تسليط الضوء على المركزية واللامركزية وتفرعاتها بدءا من اللامركزية الإدارية إلى السياسية والمتمثلة بالدولة المركبة أو الاتحادية (الفدرالية)، في المبحث الأول، وفي المبحث الثاني سندرس مراحل التنظيم الإداري في سورية كسيرورة تاريخية ومنهجية تحليلية توصيفيه منذ نشأته والمراحل التي مربها، وقد خصصنا المبحث الثالث لبعض التجارب الناجحة لمدن عربية في معرض تطبيقها اللامركزية الإدارية الموسعة بأداتها الإدارة المحلية واقتراح تطبيقها في سوريا مع انطلاق الحل السياسي المأمول.

 

المبحث الأول
ماهيّة النظام الإداري

   لقد عرف التنظيم الإداري مجموعة من التطورات الهامة، ويمكن حصر النظم الإدارية التي عرفتها مختلف الدول في نظامين أساسيين هما: نظام وحدة السلطة الإدارية ويطلق عليها (المركزية الإدارية)، وسنتناوله بإيجاز في مطلب أول، ونظام تعدد السلطات الإدارية ويطلق عليه (اللامركزية الإدارية، واللامركزية السياسية) وسنتطرق إليه في مطلب ثاني.

 

المطلب الأول: المركزية الإدارية

ينطلق مفهوم المركزية الإدارية من مبدأ الوحدة وعدم التجزئة، بحيث يجب أن تكون جميع أنشطة الدولة وسلطة اتخاذ القرارات بها متركزة في يد السلطة المركزية، سواء كان فرد أو هيئة تنفيذية وعليه يمكن تعريف المركزية الإدارية بأنها: "حصر مختلف مظاهر الوظيفة الإدارية في الدولة وتركيزها بشكل موحد مع جميع أنشطتها في قبضة الحكومة وتابعيها في العاصمة أو في المحافظات مع خضوعهم جميعا للرقابة الرئاسية التي تمارسها السلطة المركزية". وقد تتضح المركزية في عدة جوانب منها الجانب الاقتصادي أو القانوني أوفي الجانب الإداري، ويتبين لنا مما سبق أن مفهوم المركزية الإدارية يشتمل على عدة عناصر مكونة له.

 

أولا- عناصر المركزية الإدارية

   نستنتج من هذا المفهوم أن المركزية الإدارية تتكون من ثلاثة عناصر تتمثل في: تركيز السلطة، السلطة الرئاسية، والتبعية.

 

  1- تركيز السلطة وحصرها

المقصود من تركيز السلطة هو حصر الوظيفة الإدارية في الحكومة المركزية وفي أجهزتها، حيث تحتكر الإشراف على جميع المرافق والهيئات الإدارية، ويترتب على ذلك أن سلطة اتخاذ القرارات من الناحية القانونية تتركز في أعلى قمة الهرم الإداري، سواء أكان ذلك في يد رئيس الدولة أو الحكومة، وليس معنى ذلك أن القرارات لا بد وأن تصدر من الأجهزة الإدارية العليا فقط، ولكن المقصود هو أن الجهاز الإداري الأعلى يبقى دائما هو صاحب حق التوجيه، وذلك بما يصدره الرئيس إلى مرؤوسيه من تعليمات وأوامر، وما يتوفر عليه من سلطات حول مراقبة أعمال المرؤوسين، إذ أن للرئيس حق إجازتها أو إبطالها أو تعديلها أو الحلول محلهم في أدائها، إذن فالتنظيم الإداري المتركز على الأسلوب المركزي يتمثل في شكل هرم إداري أو سلم مراتبي، ينبثق من القمة حيث تتركز جميع السلطات الإدارية وينتهي بالقاعدة مرورا بأجهزة ومؤسسات وأفراد ينفذون الأوامر والتعليمات الصادرة عن الحكومة المركزية وذلك في ظل التبعية الإدارية لسلطتها، إذ أن النظام الإداري التسلسلي يبقى المعيار الرئيسي الذي يتميز به النظام الإداري المركزي، مع تركيز الاختصاصات الفنية في يد مجموعة من الاختصاصيين في العاصمة، واحتكار الوزراء لسلطة التعيين في الوظائف العمومية.

 

2- السلطة الرئاسية

 يمكن تعريف السلطة الرئاسية بأنها القوة التي تحرك التسلسل التدريجي القائم عليه النظام الإداري المركزي في الدولة، فهي العنصر الأساسي في تحديد الصفة المركزية لأي جهاز إداري، وتكتسب أهمية كبرى في نظام المركزية الإدارية، على مختلف مستوياته وتعد جوهر النظام الإداري المركزي، فتمنح الرئيس سيطرة كاملة على مرؤوسيه وأعمالهم وتصرفاتهم، سواء عن طريق الإرشاد والتوجيه بشكل مسبق، أو عن طريق الرقابة والتعقيب اللاحق للرد على تصرفاتهم وفقا لمبدأ المشروعية القانونية، التي تعطي الرئيس حق إجازة قراراتهم وتصرفاتهم أو سحبها أو الغائها أو ربما تعديلها، هذا باستثناء الحالات التي يسمح فيها القانون سلطة اتخاذ القرارات بشكل نهائي بدون تدخل الرئيس.

 

وفي المقابل تحمل الرئيس المسؤولية عن أعمال مرؤوسيه أمام الوزير أو من يشغل المنصب في نهاية السلم الإداري أمام مجلس الشعب أو رئيس الجمهورية تبعا للنظام السياسي المتبع في الدولة.

 

3- التبعية

    يقصد مفهوم التبعية هو سلطة استعمال قوة الأمر والنهي، من أعلى طرف الرئيس الإداري المباشر والمختص وواجب الطاعة والخضوع، والتبعية من طرف المرؤوس المباشر للرئيس الإداري المباشر المختص؛ إذ يجب على المرؤوسين في الوحدات الإدارية الأدنى من السلم الإداري التقيد بالتعليمات والتوجيهات الصادرة من الرؤساء الذين يشغلون المراتب العليا بنفس ترتيب السلم الإداري وإلا تعتبر تصرفاتهم تفتقر إلى المشروعية وتصبح عرضة للإلغاء أو السحب والتعديل وبالتالي المساءلة.

 

ثانيا - صور المركزية الإدارية

1- التركيز الإداري: ومعناه الاقتصار في اتخاد القرارات الإدارية، على الوزارة في العاصمة، وخصوصا في يد الوزير (المركزية مع التركيز).

 

2- عدم التركيز الإداري: هو الاعتراف لبعض موظفي الوزارة، بسلطة اتخاد بعض القرارات ذات الأهمية القليلة أو المتوسطة، دون الرجوع أو اللجوء إلى الوزير المختص.

 

ثالثا- عيوب المركزية الادارية

1- إشغال الحكومة المركزية بمسائل ذات أهمية قليلة على حساب المهام ذات الأهمية في رسم السياسة العامة للدولة.

2- لا تتماشى المركزية الادارية وقيم ومبادئ الديمقراطية القائلة بضرورة إدارة الجماعات المحلية لشأنهم العام عن طريق مجالس منتخبة من بينهم.

3- تساهم في قتل روح المثابرة والابداع لدى القائمين المحليين على تسيير أعمال الوحدات الإدارية في مناطقهم، ذلك أن مهمتهم تتركز في تلقي التعليمات الصادرة من السلطة المركزية، بدون أي مشاركة منهم في صنع القرار، بالإضافة إلى بُعدِ متخذ القرار عن الأماكن المراد تطبيق القرار فيها، لذلك غالبا ما تأتي القرارات غير منسجمة مع طبيعة المشكلات المطروحة.

 

رابعا- مزايا المركزية الادارية

من أهم مزايا المركزية الإدارية هو أنها ضد التجزئة والانقسام وتزيد من قوة السلطة المركزية كما تكفل تجانس جميع النظم الإدارية في الدولة وتساعد المواطنين على استيعابها بشكل أفضل، بالإضافة إلى أنها تؤدي إلى خفض التكاليف والنفقات العامة. ورغم مزاياها فإن المركزية بات تطبيقها مستحيلا في عصر العولمة، والتنافسية والثورة الرقمية وتطبيقات الأنظمة الصناعية الذكية.

 

المطلب الثاني: اللامركزية الإدارية

يحكم علم الإدارة العامة، وهي أحد موضوعات القانون العام، قوانين وأنظمة تحدد لها ثلاثة أمور أساسية لابد من الالتزام بها، وهي ما تطالبها السلطة التشريعية بإنجازه، وحدود صلاحيات الأفراد لديها، وبيان الحقوق الأساسية للجماعات والأفراد في مجتمعاتها المحلية، والتي يجب على موظفي الحكومة مراعاتها، هذا ونظرا لعدم وجود نظريات محددة لشرح ماهية اللامركزية، إلا أن بداية انطلاقها الفكري كان في خمسينيات القرن الماضي حيث تطورت في كتابات أصحاب نظرية الاقتصاد ما بعد الكلاسيكي، لكن مع بداية سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم، تحولت اللامركزية إلى استراتيجية عامة في مجال التنمية الإدارية، وحظيت اللامركزية الإدارية بأهمية كبيرة في القانون الاداري والدستوري في آن معا، فباتت ضرورة لا بد منها في الدولة الحديثة، لكي تنهض بوظائفها وتقوم بواجباتها كدولة راعية، بصورة تمكنها من انجاز أهدافها من خلال تنظيم جهازها الاداري، بشكل يسمح بتعدد أشخاصها الادارية، وبيان تشكيلها وتحديد اختصاصاتها وكيفية ممارسة هذه الاختصاصات. فهو يعتبر بمثابة إجراء لتصحيح المركزية الشديدة، التي رافقت مراحل بناء الدولة الحديثة.

 

 فقد أظهرت التجربة أن إدارة وتسيير الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والخدمية بوساطة إدارة مركزية وطنية واحدة، بات أمراً خياليا أكثر ما يتماشى مع الواقع المعاش، ذلك إذا تم قياس النتائج بمؤشرات الجودة العالية من حيث المطابقة مع المواصفات والسرعة في الإنجاز والاقتصاد في الكلفة وبالتالي القدرة على التنافسية.

 

أولا- مفهوم اللامركزية الإدارية

تعرف اللامركزية الادارية بأنها: أي نشاط تقوم به السلطة المركزية لنقل السلطة والمسؤولية بشكل رسمي إلى وحدات إدارية محلية على مستوى أدنى في تراتبية سياسية وإدارية ومناطقية.

 

فهذا النقل للصلاحيات الإدارية يُمَكِّن السلطات المحلية من ممارسة وظيفتها في شأنها المحلي على رقعة من أرض الوطن هي حدود المدينة ونطاقها الجغرافي، ويتحتم أن يكون تحويل السلطات إليها مقرونا بتمتعها بشخصية اعتبارية وميزانية مستقلة. وأشار (الشيخ مرتضى معاش من مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث)، إلى أنه يمكن أن تقدم اللامركزية الكثير من الحلول في تحقيق التنمية والتقدم، في مواجهة الكثير من الازمات المعاصرة التي سببها استحواذ الحكومات المركزية على كل الموارد المتاحة في الدولة والنتيجة تهميش المواطنين وتهميش المحافظات وعدم المشاركة في القرار.

 

وتتحقق اللامركزية الإدارية بمعناها الكامل، حينما يكون تشكيل مجالس الهيئات المحلية من أعضاء يختارون جميعاً بالانتخاب، مما يستبعد أية مشاركة للسلطة المركزية في تشكيل مجالس الوحدات المحلية.

 

وتكون اللامركزية ناقصة إذا كان تشكيل مجلس الوحدة المحلية مختلطاً، أي مكوناً من أعضاء منتخبين من سكان المحافظة ومن أعضاء معينين من قبل الإدارة المركزية.

 

إلا أن هناك رأي آخر في الفقه يذهب إلى انعدام الصلة بين أسلوب الانتخاب واللامركزية الإدارية، حيث إن هذا الأسلوب يمكن الأخذ به في تكوين السلطات الإدارية جميعاً، المركزية منها وغير المركزية، ونرى أنه يمثل أحد عيوب هذا النظام، ويمكن تدارك مسألة نقص المعرفة والخبرات بتحديد معايير وشروط تتلافى ذلك، وهناك دولٌ عديدة لا تتبنى هذا الإجراء، فرنسا والجزائر مثالا.

 

ثانيا - أنواع اللامركزية الإدارية:

 

 1: اللامركزية الإقليمية:

تتمثل اللامركزية الإقليمية من خلال منح جزء من التراب الوطني للشخصية الاعتبارية، وهذا يعني منحه الاستقلال الإداري والمالي في مباشرة الاختصاصات الموكلة إليه، بهدف السهر على تحقيق المصالح المحلية تحت إشراف الحكومة ورقابتها.

 

2: اللامركزية المرفقية:

وتتحقق بمنح مرفق عام سواء أكان وطنيا أو محليا الشخصية الاعتبارية، مما يعني منحه الاستقلال الإداري والمالي في تسيير شؤونه، إلا أن هدا الاستقلال غير مطلق وإنما هو مقيد بشرط الرقابة أو الوصاية من طرف السلطات المختصة المركزية.

وتختلف اللامركزية المرفقية عن اللامركزية الإقليمية بكون الشخص العام المرفقي ينشأ لتحقيق غرض محدد، ويكون اختصاصه محدودا فيما لا يتجاوز الغرض المحدد الذي أنشئ لتحقيقه، بينما ينشأ الشخص الإداري المحلي لرعاية مصالح مجموعة من الناس تقيم في ولاية أو محافظة من محافظات الدولة، كما يكون للشخص الإداري المحلي وجود من الناحية المادية يسبق وجوده القانوني، أما الشخص العام المرفقي فلا يكون له وجود قبل إنشاء المرفق ومنحه الشخصية المعنوية، إلى درجة يمكن القول إن الشخص الإداري المحلي يعتبر أعلى درجة وأوسع اختصاص وسلطانا من الشخص الإداري المرفقي.

وهذا يقودنا في الحقيقة إلا القول إنه لا يوجد للامركزية الإدارية إلا صورة واحدة وهي اللامركزية الإدارية المحلية، أما اللامركزية المرقية فتتعلق بتركيز أو عدم التركيز الإداري.

 

ثالثا: الأسس العامة للامركزية الإدارية:

لقد اختلف فقهاء الإدارة في تحديد تعريف جامع للامركزية الإدارية، وأداتها الإدارة المحلية ولكن يمكن القول بتحققها بتوافر ثلاثة أسس عامة:

 

1- الاعتراف بوجود مصالح محلية متميزة عن المصالح الوطنية:

بمعنى أن ثمة مصالح محلية ينبغي ترك مباشرتها والإشراف عليها لمن يهمه الأمر منها، حتى تتفرغ السلطة المركزية لمصالح أخرى ذات طابع عام تهم الدولة كلها، فمثلا إذا كانت الدولة تهيمن على المرافق ذات الأهمية الكبرى كمرافق الأمن والدفاع والقضاء والمواصلات، عبر التراب الوطني فان المرافق المحلية كالنقل الداخلي وتوزيع المياه والكهرباء، وكل الشؤون البلدية الخدماتية يفترض تركها لمن يستفيدون منها مباشرة، فهم أدرى باحتياجهم إليها وأقدر على تسييرها فضلا، عما في دلك من تخفيف عبئ إدارتها عن كاهل السلطة المركزية.

 

2- منح مهام الإشراف على هذه المصالح لهيئات منتخبة محليا:

تسعى اللامركزية الإدارية ومن خلال أداتها الإدارة المحلية، إلى إسناد المصالح المحلية إلى من يهمهم الأمر، وذلك لإشباع احتياجاتهم المحلية بأنفسهم، ولما كان من المستحيل على جميع أبناء المجتمع المحلي أن يقوموا بهذه المهمة بأنفسهم مباشرة، فان المُشَرِّعَ قد جعل تولية هذه المصالح إلى من ينتخبونه نيابة عنهم، ومن ثم كان الانتخاب هو الطريقة الأساسية التي يتم عن طريقها تكوين المجالس المعبرة عن إرادة الشخص المعنوي العام في المحافظة.

 

3- استقلال المجالس في ممارسة اختصاصاتها تحت إشراف السلطة المركزية:

أن استقلال المجالس المحلية ليس منحة من الحكومة المركزية، وإنما هو مقرر من المُشَرِّع ويخضع لمقتضيات القانون، ولا يراد بذلك الاستقلال الفصل المطلق بين المصالح المحلية والسلطة المركزية. كما لا يراد بذلك الاستقلال جعل كل جماعة محلية في معزل عن الأخرى، وإنما ثمة صلة تربط تلك المجالس أو الوحدات الإدارية مع بعضها البعض في إطار مبدأ التعاون والتكامل والتعايش، لأنها تؤلف في الواقع جزءا من جماعة أوسع نطاقا وهي المجتمع الوطني∙

 

رابعا: مزايا وعيوب اللامركزية الإدارية:

ونخلص مما تقدم أن للامركزية الإدارية جانبين؛ جانب سياسي وجانب قانوني، فالجانب القانوني يتمثل في توزيع الوظيفة الإدارية للدولة بين السلطة المركزية والمحليات، أما الجانب السياسي فيتمثل فيما تقوم عليه اللامركزية الإدارية من توسيع لمفهوم الديمقراطية، فتنتقل سلطة التقرير النهائي من الدولة إلى هيئات محلية منتخبة من طرف الشعب لتحمل مسؤوليتها في الإدارة. وهكذا فإن تطبيق اللامركزية يحقق مزايا جيدة حال توفر ظروف تطبيقها، التي ربما لا تخلق عيوبا خطيرة على وحدة البلاد وتماسكها:

 

1- مزايا اللامركزية الإدارية: هناك مزايا إيجابية عديدة لأسلوب اللامركزية الإدارية، بل أصبحت الأداة الرئيسة للدولة الحديثة لتحقيق أهدافها. ومن هذه المزايا:

أ- تطوير الأداء وتحسينه.

ب- - تؤدي إلى اتخاذ قرارات أسرع وأكثر ملائمة وفاعلية.

ج- زيادة معنويات القادة الإداريين والمديرين المحليين لأداء مهامهم.

د- توسيع نطاق الوظائف بمختلف الأجهزة لاستيعاب طلبات البطالة.

هـ- جسر الفجوة بين الإدارة المحلية والمواطنين وتفعيل عملية الشكاية والاستفادة من نتائجها من خلال التغذية الراجعة.

و- إشراك الشعب بالسلطة.

ز- أسلوب حضاري وديمقراطي.

ح- الاهتمام بمشاكل الأفراد والعمل على حلها.

ط - تشجع على التنافس بين المجالس المحلية لتأمين الاستثمارات وفرص العمل، لكي تجعل بيئاتها الاجتماعية والاقتصادية قابلة للتنمية المستدامة.

 

ونخلص مما تقدم بأن اللامركزية الإدارية يمكن أن تكون مؤثرة وفاعلة وملبية أكثر لاحتياجات الجهويات المحلية إذا ما توسع نطاق صلاحياتها أولا لتأخذ مسمى جديدًا (اللامركزية الإدارية الموسعة )، وذلك عن طريق إعطاء المرؤوسين سلطات واسعة، بينما في نفس الوقت تفرض الرقابة من الحكومة المركزية على أنشطة معينة، تساعد على تأكيد نظام قابل للتطبيق وأكثر استجابة من جهة ثانية. وعموما فان مزايا اللامركزية تعترمن عيوب المركزية.

 

2- عيوب اللاّمركزية:

أ- إن المبالغة في تطبيقها بشكل مطلق، يمكن أن يؤدي إلى المساس بوحدة الدولة وقوّة السلطة المركزية، عندما تعطى الأولوية للمصالح المحلية على مصلحة الدولة، وهذا ما يؤدي إلى زرع النزعة المحلية وخلق الفرقة في البلد الواحد.

 

ب- تتكون الهيئات الإقليمية من مجالس منتخبة، منها ما ينجح بفعل تأثير الدعاية الحزبية أو المناطقية أو القبلية، دون وجود برنامج تسيير ناجح، مما يؤدي إلى ضعف مردودية الجهاز الإداري، بسبب الجهل أو عدم الدراية بأساليب العمل الإداري وقواعده بشكل كاف، مما يفسح المجال للسلطة المركزية بالتدخل مما يضعف الوحدة المحلية في عملية صنع واتخاذ القرار والاستقلالية.

 

خامسا: العناصر المميزة للامركزية الإدارية:

 

1-  اللامركزية الإدارية وعدم التركيز الإداري

يتمثل أسلوب عدم التركيز الإداري، بتوزيع سلطة البت النهائي في شؤون الوظيفة الإدارية، بين السلطات المركزية وفروعها في العاصمة والمحافظات دون الرجوع إليها، وذلك من أجل تمكين بعض الوحدات الإدارية، من أن تأخذ قراراتها في المهام التي أسندت إليها باستقلالية تامة عن الرئيس الأعلى صاحب الاختصاص الرسمي، وهذا التوزيع من  الجهاز الإداري المركزي أو الوحدة الإدارية  المركزية يتم قانونا أو من خلال التفويض، داخليا ضمن الجهاز الإداري الواحد، أو خارجيا بامتداد آثاره إلى فروع ذلك الجهاز في المحافظات، بخلاف أسلوب اللامركزية الإدارية الذي يقوم على توزيع الوظائف الإدارية بين الحكومة المركزية والوحدات الإدارية المحلية المرفقية أو الإقليمية المستقلة ماليا وإداريا.

 

تتشابه اللامركزية الإدارية وعدم التركيز الإداري، في أن كلا منهما يؤدي إلى توزيع السلطات الإدارية والى عدم تركيزها في جهة واحدة، ويختلفان في أن الأخير يعتبر صورة من صور المركزية، وبالتالي فان استقلال ممثلي السلطة المركزية إنما هو استقلال عارض يجوز للسلطة المركزية سحبه في أي وقت.

 

كما أن اختصاص هؤلاء الممثلين يخضع لرقابتها الرئاسية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، بخلاف اللامركزية الإدارية حيث تتمتع الوحدات الإدارية المحلية باستقلال مالي وإداري وفقا للأوضاع التي يحددها المشرع، وتتحمل مسؤولية تصرفاتها، ولا تملك السلطة المركزية عليها إلا حق الرقابة الإدارية، كما يمكن القول إن عدم التركيز الإداري قد يكون خطوة متقدمة في سبيل تحقيق اللامركزية الإدارية، ذلك على اعتبار أن نقل السلطة إلى يد الهيئات المحلية يكون ميسرا وأكثر سهولة، من نقلها فيما إذا لو كانت بيد الرئاسة المركزية.

 

2 - اللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية (الفدرالية)

أ- اللامركزية الإدارية

تتسم اللامركزية الإدارية بعدة سمات تميزها عن اللامركزية السياسية ومن هذه السمات:

1- أ: اعتراف الدولة للأشخاص المعنوية الدنيا (وحدات إدارية محلية، ومؤسسات عامة)، بنوع من الاستقلالية في تسيير شؤونها الداخلية، لكن دائما تحت إشراف ومراقبة السلطة المركزية.

 

2- أ: توجد اللامركزية الإدارية في جميع الدول سواء كانت بسيطة مركزية أومركبة فدرالية، أما مهامها فمقصورة على تلبية الاحتياجات المتعلقة بالمرافق المحلية، تحت رقابة السلطة المركزية.

 

3- أ: يبقى دور اللامركزية الإدارية، كوظيفة إدارية محصورا في الشؤون المحلية لمحافظة محددة، وهناك جانب سياسي يتعلق فقط بتوسيع مفهوم الديمقراطية، حيث تنتقل سلطة التقرير النهائي للشأن العام المحلي، إلى هيئات محلية منتخبة من قبل المجتمع المحلي لتحمل مسؤوليتها في الإدارة، الأمر الذي يؤدي إلى استبعاد أي مسميات أخرى، لها علاقة بالحكم خارج اختصاصات ومهام المجالس المحلية.

 

ب- اللامركزية السياسية أو الدولة الفدرالية

يقسم فقهاء القانون الدستوري الدول من حيث الشكل، إلى دول موحدة أو بسيطة، وهي الدول التي تكون السلطة فيها مركزية وموحدة، مما يؤدي إلى وحدة القانون والسلطة فيها، وإلى دول مركبة حيث تتعدد فيها السلطات والقوانين، وسنتطرق بشكل مختصر إلى أشكال الدول المركبة لنصل أخيرا إلى الدولة الاتحادية المركزية (الفدرالية).

 

1- ب: ماهية الدولة المركبة الاتحادية : الدول في فقه السياسة والقانون الدولي ذات أنواع متعددة وأنماط نظم مختلفة، ويتقرر نوع الدولة حسب ظروف وعوامل كثيرة ويقصد بالاتحاد الفيدرالي أو الدولة الاتحادية بأنه اتحاد بين دولتين أو أكثر ويخضع لسلطة سياسية جماعية، وتكون الدولة مركبة من السلطة المركزية ومن سلطات الأقاليم، ولهذه الدول عدة أشكال طبقا لنوع الاتحاد المنضمة له الدول،

 

فربما يكون "الاتحاد شخصي" وهذا الشكل أصبح من الماضي نظرا لضعفه، مثال على ذلك ما نصت عليه المادة (24) من الدستور العراقي لعام (1925) من أنه "(لا يحق للملك أن يتولى عرشا خارج العراق)،

وقد يكون "الاتحاد تعاهدا" ناجما عن معاهدة بين الدول المشكلة للاتحاد (مجلس دول التعاون الخليجي) مثالا، أو "اتحادًا فعليا" مؤلفًا من دولتين أو أكثر بشكل مؤقت أو دائم ومرجعية جميع الدول تخضع لرئيس واحد، وهو رئيس دولة الاتحاد مثال على ذلك (الوحدة بين سوريا ومصر) عام 1958، أما الشكل الرابع من أنواع الاتحادات وهو "الاتحاد المركزي" أو الدولة الاتحادية ويسمى أيضا (الدولة الاتحادية الفدرالية) وهو ما يعنينا في هذه الدراسة، ولها عديد التعريفات منها أن الدولة الاتحادية الفدرالية هي "دولة واحدة، تتضمن كيانات دستورية متعددة، لكل منها نظامها القانوني الخاص واستقلالها الذاتي، وتخضع في مجموعها للدستور الفدرالي، باعتباره المنشئ لها والمنظم لبنائها القانوني والسياسي، وهي بذلك عبارة عن نظام دستوري وسياسي مركب". فتتوزع فيها مظاهر السيادة بين الحكومة المركزية وبين المحافظات، فيكون هناك سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية مركزية، تمارس اختصاصـاتها على كافة أرجاء محافظات الدولـة، ويقوم بجوارها سلطـة تشريعية وتنفيذية وقضائية في المحافظات، وتختص المحافظات بسلطاتها في الحدود التي يرسمها لها الدستور الاتحادي. ورغم تفريق الفقهاء بين هذه الاتحادات إلا أنه في الواقع ليس بالتقسيم الجامع المانع نظرا لكونه لايستطيع منع قيام اتحادات جديدة يصعب إدراجها في نطاق تلك التقسيمات التقليدية وإنما يمتلك القدرة على التنوع والاختلاف في أحكامها التفصيلية وإن اتحدت في أصولها العامة.

 

2- ب: اللامركزية السياسية ودعوات الانفصال  

 تمثل اللامركزية السياسية والمتمثلة بالفدرالية خطرا داهما وحالا، على الوحدة الوطنية خصوصا في زمن الصراع الذي تشهده سوريا، منذ عقد من الزمن وبالتالي حالة الضعف والوهن والتشتت والانقسام الذي يعيشه الشعب السوري ، فهي في حقيقة الأمر أخطر مرحلة تمر بها البلاد منذ الاستقلال، ومن ينادي بالفدرالية اليوم مستغلا هذه الظروف فهو كمن يصطاد في الماء العكر، من أجل أن يفتّ عضد الدولة وبالتالي تقسيمها، ومحاولات فرضها على السوريين تأتي اليوم من قبل (سلطة الأمر الواقع) أو مايُعرف بقسد، وذلك من منطلق عرقي وليس على أساس جغرافي، والدعوة للانفصال مبعثه سيطرتها على منطقة شرق الفرات بدعم من التحالف في إطار الحرب على الإرهاب، وذلك بزعم أن رفض العرب للامركزية السياسية هو بدافع الهيمنة والسيطرة.

 

أما رفضها للامركزية الإدارية مبرره هو أنها لا تحقق لهم المساواة، فقد جربوها واكتووا بنارها!، ويقدم الأمر بكل بساطة كما لو أن السوريين جميعا حكموا أنفسهم وخدعوا الآخرين باللامركزية الإدارية، التي هي في حقيقة الأمر لم تُطبّق يوما في سوريا كما يجب أن تكون عليه المبادئ والأهداف التي تنادي بها، وكانت مجرد شعارات الهدف منها سيطرة الحاكم الاستبدادي على الدولة والمجتمع، بحيث يتم تعيين أعضاء المجالس المحلية بموافقة البعث القائد والفروع الأمنية، وهذه النار اكتوى بها جميع السوريين، والعيب في القانون وفي التطبيق معا! ولو افترضنا بأن الشعب السوري سيوافق على الفدرالية، فكيف ستكون حلاً لبعض الإخوة الكرد المطالبين بتطبيقها وهم لا يشكلون أغلبية إلا في بعض المناطق السورية المتقطعة الأوصال جغرافيا ونسبتهم لا تتجاوز ال 15% تقريبا، من سكان المحافظات السورية الشمالية الشرقية وهي (دير الزور، الرقة، الحسكة)، وفي دير الزور على وجه الخصوص يشكلون نسبة صفر بالمائة %0، ومن نافلة القول إن هذه المحافظات تعتبر سلة غذاء وثروات واقتصاد سوريا، ومن حيث المساحة فإنها تمثل بشكل تقريبي نصف مساحتها الجغرافية البالغة 000. 185كم2.

 

أم أن الحل سيكون بتحقق النظام الاتحادي الفدرالي على المناطق التي تسيطر عليها سلطات الأمر الواقع التي تعتبر قوات احتلال أجنبية، حيث يشكل العرب (مسيحيون ومسلمون) فيها أكثر من 85% وهم المحرومون من حقوقهم السياسية والإنسانية، ومنها عدم السماح لهم بتشكيل الأحزاب السياسية وإقصائهم وعدم إشراكهم بإدارة مناطقهم وحرمانهم من ثرواتها، وبالتالي ستحقق الفيدرالية بقوة السلاح حلاً للكورد من أصحاب الفكر الإيديولوجي المتطرف، على حساب الأغلبية العظمى من سكان المنطقة.

 

المبحث الثاني
التنظيم الاداري في سوريا

 يعتبر التنظيم عنصرًا هامًّا من عناصر العملية الإدارية، وهو وسيلة تساعد في تحقيق أهداف المنظمات والهيئات الإدارية على وجه العموم، فهو يحدد بشكل واضح اختصاصات ومسؤوليات الوحدات الإدارية، ويبين واجباتها وحقوقها، وواجبات وظائفها، وشروط شاغليها والتزاماتهم ومسؤولياتهم من الموظفين، وينسق العلاقات بالوظائف الأخرى، وبالموظفين الآخرين العاملين في الوحدات الإدارية، فلا يحدث تداخل في الاختصاصات بين الوحدات الإدارية ولا بين الموظفين العاملين فيها، بالتالي القضاء على الازدواجية والتداخل في الأعمال مع تحقيق رقابة إدارية فعالة على القيام بالأعمال في الإدارة وتامين بيئة عمل مناسبة.

 

  هذا ويرتبط التنظيم الإداري في كل دولة بأوضاعها السياسية العامة، وبالقواعد السياسية للحكم التي تطبع نظام الدولة كله بطابعها، وهو ما يتسم به التنظيم الاداري في سوريا، الذي لا يمكن الحديث عنه دون الإشارة الى أوضاعها السياسية العامة. حيث عرفت سوريا نظما سياسية مختلفة من الفدرالية والجمهورية البرلمانية والرئاسية والنصف رئاسية المركزية، وسنسلط الضوء على واقع التنظيم الاداري في سوريا، كسيرورة تاريخية بطريقة تحليلية توصيفيه خلال مطلبين نتكلم في المطلب الأول عن نشأة التنظيم الإداري في سوريا وفي المطلب الثاني سنسرد تاريخيا مراحل تطور التنظيم الإداري اللامركزي في سوريا. واستخلاص النتيجة واقتراح الفاعلية.

 

المطلب الأول: نشأة التنظيم الإداري في سوريا

 لقد نشأ الجهاز الإداري في سوريا، إثر انفصالها عن الدولة العثمانية في أكتوبر عام 1918م، وإعلان الاستقلال وفقا لمقررات المؤتمر السوري العام في عام 1919م، وتنصيب الملك فيصل ملكا عليها، ومقتضيات دستور 1920 م، وقد اتصف الجهاز التنظيمي في تلك المرحلة بكل مظاهر التخلف والضعف، سواء إن كان في جانب تنظيم الوحدات الإدارية، أم في أساليب سير العمل، أو في مستوى تأهيل العاملين.

 

 ولكن ما كادت سوريا أن تقف على قدميها، إلا أن وُضِعَت تحت الانتداب الفرنسي حسب اتفاق "سان ريمو" في إبريل/نيسان عام 1920م، فاحتلت انكلترا جنوبها بعد تقسيمه إلى قسمين: فلسطين وشرق الأردن، واحتلت فرنسا جزأها الشمالي، إثر دخول جيوشها بقيادة "غورو "العاصمة دمشق في تموز عام 1920م، بعد انتصاره في معركة ميسلون، معلنة انهاء الحكم الملكي فيها واحتلالها، حيث تم تجزئته إلى عدة أجزاء بقصد إحكام السيطرة عليه من خلال إضعافه؛ ونبين عديد تلك الأجزاء باختصار، كما يلي:

 

1- تم إنشاء دولة لبنان الكبير بقرار "غورو" رقم /318 /تاريخ 31 /8 / 1920 م، بعد ضم "غورو" أربعة أقضية إليه من سوريا، هي حاصبيا وراشيا وبعلبك والبقاع.

2 – أنشأ المفوض السامي الفرنسي  دولة حلب بقراره رقم /330 / تاريخ 1 / 9 / 1920 م.

3 - كما أنشأ المفوض السامي الفرنسي دولة العلويين، بقراره الصادر برقم/ 1470 / تاريخ 12 / 7 / 1922 م.

4 - وأنشأ أيضا دولة جبل الدروز بقراره رقم / 1461/ تاريخ 24 / 10 / 1922 م.

5 - في 28 / 6 / 1922م أصدر المفوض السامي القرار رقم/ 1459/ مكرر والذي تضمن انشاء اتحاد يضم دولة دمشق وحلب والعلويين أطلق عليه اسم " اتحاد الدول السورية المستقلة " وقد جعل للاتحاد رئيسا ومجلسا يشرف عليهما المفوض السامي، وبقي جبل الدروز مستقلا عن الاتحاد.

6 - انفصلت دولة العلويين عن الاتحاد في كانون الأول عام 1924 م بقرار صدر عن المفوض السامي برقم/ 22979/ وأصبحت دولة العلويين مستقلة من مطلع 1925 م.

 

7 - أصبحت دولتا حلب ودمشق تشكلان اعتبارا من أول عام 1925م، دولة واحدة اسمها "دولة سورية" عملا بالقرار الصادر عن المفوض السامي رقم /2180 /تاريخ 5 /12 / 1924 م.

8 - أجرت فرنسة انتخابات للجمعية التأسيسية التي انعقدت في 7 / 6 / 1928م، ووضعت دستورا للبلاد وذلك بعد الثورة السورية التي امتدت من عام 1924 – 1926م، ولكن المفوض السامي حل هذه الجمعية وأصدر الدستور بعد أن أدخل عليه تعديلات أفقدته محتواه، وذلك بالقرار رقم 3111 تاريخ 14 / 5 / 1930م، وجعل الدستور قاصرا على سوريا الداخلية وأخضع كلا من جبل الدروز وجبل العلويين لأحكام سياسية وإدارية مستقلة بقراريه رقم 3113 /2114 / الصادرين في 14 / 3 / 1930م.

 

9 - وقد جرت مفاوضات بين الحكومة الفرنسية والحكومة السورية في فرنسة، أدت إلى توقيع مشروع معاهدة في 9 /9 / 1936م، وقد كان من آثار مشروع المعاهدة ان أقرت فرنسة عودة منطقة العلويين وجبل الدروز إلى سوريا الوطن الأم ماعدا لبنان، الذي ظل منفصلا عن سورية، وقد أعيدتا فعلا إليها بالقرارين الصادرين عن المفوض السامي برقم 265 و 274 / ل .ر في 2 و 5 / 12 / 1936م ، وإن لم يتم التصديق على تلك المعاهدة، فإن هاتين المنطقتين ظلتا محافظتين من المحافظات السورية، غير أنهما احتفظا باستقلالهم المالي حتى نهاية عام 1943م . 

 

 وقد كان همّ الانتداب الوحيد في هذه المرحلة الاستعمارية، هو تسخير الجهاز الإداري لخدمة أغراضه الاستعمارية وترسيخ جذوره في البلاد بعد أن قسمها وشرذمها، ولما كان المفوض السامي يجعل من نفسه مصدر السلطات جميعها، فكان كلما شكل حكومة في جزء من البلاد تنازل لها عن السلطة التنفيذية، على أن تمارسها بإشرافه، لذلك لا يمكن اعتبار ذلك نوعا من الحكم الكونفدرالي أو الفدرالي كما يزعم البعض، وإنما الهدف الأساسي هو تسهيل بسط وتمكين السيطرة عليها فقط لسبب بسيط أنه محتل.

 

ولكن الدولة المنتدبة نقلت مع ذلك إلى بلدنا بعض التنظيمات الإدارية، التي أضفت على بعض الهيئات الإدارية وعلى أسلوب سير العمل، فيها صفة التنظيم الإداري الحديث، كإحداث مجلس الدولة سنة 1925م، وبعض الوزارات والادارات سنة 1926م وكديوان المحاسبات سنة 1938 م، الذي عهد إليه مراقبة إيرادات ونفقات الدولة وحساباتها العامة، وذلك على غرار النظام المطبق على محكمة الحسابات في فرنسة.

 

 

المطلب الثاني: مراحل التنظيم الاداري في سوريا

  مرّ التنظيم الاداري في سوريا بعدة مراحل تاريخية نوجزها على حدة فيما يلي:

1- صدور القرار رقم 5/ ل. ر في 10/ 1 / 1936م، والذي تضمن إحداث التقسيمات الإدارية في سوريا على أساس المحافظات وأقضية، والأقضية الى نواح، والنواحي الى قرى، وقد نص القرار المذكور على انشاء مجالس محلية ومنحها صلاحية إبداء الرأي، وبيان أمنيات سكان المناطق المحلية وحاجاتها العمرانية والثقافية والاجتماعية، ولكن هذا التنظيم لم يوضع موضع التنفيذ نظرا لاستخدامه في استمرار هيمنة الاحتلال الفرنسي، من خلال الفتن التي اعتاد اثارتها  بين مكونات المجتمع السوري، وقد أجريت على هذا القرار عدة تعديلات، إلا أنه ظل مرعيا لفترة طويلة من الزمن حتى صدور القانون 496 في 21 كانون الأول عام 1957 م.

 

2- قانون البلديات رقم /172 /تاريخ 23/ 1/ 1956م، الذي عرف البلدية بأنها * شخصية اعتبارية تتمتع باستقلال إداري ومالي وتقوم بكافة الأعمال المتعلقة بتنظيم المنظمة التابعة له، وتشرف على صيانة الصحة العامة وضمان الراحة والسلامة العامة، كما وتختص باتخاذ جميع التدابير اللازمة لتقدم المنطقة عمرانياً وصحياً واجتماعياً* المادة (1).

 

ويتضح من هذا التعريف أن المشرع اعتبر البلديات إدارة محلية تقوم ضمن نطاقها المحلي بممارسة مجموعة من المهام، بالإضافة إلى تحديده أنظمتها الإدارية والمالية وأجهزتها واختصاصاتها، وفق المبدأ العام وليس على سبيل الحصر، وقد قسم القانون الأجهزة البلدية إلى سلطتين رئيسيتين هما:

 

أ- السلطة التقريرية: وقد عدد المشرع اختصاصاتها ومهامها وبين آليات عملها.

ب - السلطة التنفيذية: وتتمثل برئيس البلدية الذي خصه القانون في مادته (58) بمجموعة من الاختصاصات، أهمها إدارة شؤون البلدية والإشراف عليها، وتنظيم مشاريع موازنات البلدية، واتخاذ التدابير اللازمة لتشجيع الثقافة والرياضة، والقيام بكل الاختصاصات الخاصة بالضابطة الإدارية. وتقييم مستوى اللامركزية، في ظل القانون 172 لعام 1956م، الذي بقي نظرياً غير ممكن، إذ لم تجرِ انتخابات بلدية، بل كان يتم تشكيل المجالس البلدية بطريقة التعيين من قبل السلطة المركزية.

 

3- صدور قانون التنظيمات الإدارية رقم 496 تاريخ 21/ 12 / 1957 م، الخاص بالتنظيمات الإدارية، متأثرا المشرع السوري بالاتجاه الفرنسي، ملغيا ما عداه من تنظيمات وظل نافذا، وكان يهدف الى تحقيق اللامركزية الإدارية في الدولة من خلال تشكيل مجالس محلية على أساس الانتخاب، إلا أن الواقع كان خلاف ذلك، فكان أعضاء هذه المجالس يتم تعيينهم من قبل السلطة المركزية، وخاصة أشخاص السلطة التنفيذية المركزية كالمحافظ ومدير المنطقة ومدير الناحية، ولم تلجأ السلطة المركزية إلى إجراء انتخابات فعلية، لمجالس الوحدات المحلية بحجة الظروف السياسية التي لا تسمح بذلك، وقد ألغيت بعض أحكامه بقانون الادارة المحلية رقم 124 تاريخ 28 / 3 / 1960م أيام الوحدة بين سورية ومصر التي تمت في الأول من شهر شباط 1958م وتشكلت الجمهورية العربية المتحدة وضمت إقليمين (السوري والمصري)، إلا أن هذه المرحلة لم تدم طويلا، بسبب المؤامرات الخارجية والداخلية المعادية لأماني الأمة العربية، وتحقيق وحدتها وعزتها وكرامتها، فانفصلت عرى هذه الوحدة بالانقلاب العسكري الذي وقع في /28 / أيلول عام 1961م، وأعيد تطبيق القانون رقم/ 496/ السابق ذكره بمرسوم تشريعي رقم /141/ تاريخ 3 / 9 / 1963م .

 

هذا وقد استندت بنية الدولة في سورية خلال الأنظمة السياسية، التي تعاقبت عليها منذ فترة الاستقلال الوطني، وحتى الانقلاب البعثي في 8/3/1963م على مبدأ فصل السلطات بمفهومه الغربي الحقيقي، وقد تنوعت أساليب تطبيق هذا المبدأ من ناحية علاقة الهيئات مع بعضها البعض، حيث عرفت سوريا النظام البرلماني والنظام الرئاسي، فاستنادا الى مرسوم 1950م، تبنت الدولة السورية نظاما برلمانيا قائما على التعاون بين الهيئتين التشريعية والتنفيذية، وكذلك فقد اعتمد نظاما جمهوريا رئاسيا استنادا الى دستور الشيشكلي من 11/ 5 / 1953 الى 25 / 5 / 1954م، إلا أن الهيئات المختلفة التي تأسست على أساس فصل السلطات لم يقدر لها أن تتعاون فيما بينها.

 

أما الفترة الممتدة حتى صدور قانون الإدارة المحلية رقم 15 لعام 1971م فقد تخللها الانقلاب البعثي الداخلي في 23/ شباط / لعام 1966م، والذي تميز بازدواجية السلطة الأولى السلطة العسكرية بقيادة حافظ الأسد الذي دمره بتحويله إلى جيش عقائدي لقمع الشعب، لذلك خسر حرب عام 1967 بسهولة وبشكل قصدي للحفاظ على حكم البعث، والثانية: السلطة المدنية بقيادة صلاح جديد، وكان اهتمام السلطة منصبا على تثبيت أركان الدولة البعثية ومركزة السلطة بذراعيها العسكري والمدني، وبطبيعة الحل لم يكن هناك أي اهتمام بالنظام الإداري في الدولة، إلا ما انصبّ على تعزيز سيطرة النظام البعثي على مفاصل الدولة. 

 

4- صدور قانون الإدارة المحلية بموجب المرسوم التشريعي رقم 15 تاريخ 11 / 5 / 1971 م.

وإحداث وزارة الإدارة المحلية بموجب المرسوم التشريعي رقم 27 تاريخ 3 / 8 / م1971،

 والذي أعلن انتهاء العمل بالقوانين والانظمة النافذة قبل صدوره تباعا، الى أن صدرت اللائحة التنفيذية لتنفيذ هذا القانون، بالمرسوم التشريعي رقم 2297 تاريخ 18/ 9 / 1971م، إلا أن المادة (108) من القانون /115/ نصت التالي * إلى أن يتم تشكيل المجالس المحلية وفاقاً لهذا القانون تستمر الوحدات الإدارية المختلفة ورؤساؤها على تطبيق القوانين والأنظمة النافذة قبل صدوره، ويعلن انتهاء العمل بأحكام هذه القوانين تباعاً*.

 

وبقي قانون البلديات رقم/172/لعام 1956 وتعديلاته، نافذاً بجوار القانون الجديد، وإن أصبح نطاق تطبيقه بحدوده الضيقة، حيث يقتصر نفاذه على البلديات الصغرى فقط، وتحولت بقية أنواع البلديات إلى وحدات إدارية جديدة.

 

 لقد سعى القانون /15/ إلى تحقيق عدة أهداف استنادا للاعتبارات الدستورية والقانونية والفنية، ومن منطلق الاتجاهات الديمقراطية في الحكم المحلي، وكان الهدف الأساسي من التشريع الجديد هو جعل الشؤون التي تهم المواطنين، في الوحدات الإدارية المحلية والمتعلقة بالاقتصاد والثقافة والخدمات والرعاية الصحية والاجتماعية، في أيدي مواطني هذه الوحدات يمارسونها عن طريق مجالسهم المنتخبة ديمقراطياً، إضافة إلى أهدافٍ أخرى يمكن إيجازها في الآتي:

 

أ- توسيع نطاق اللامركزية الإدارية، وتفرّغ السلطة المركزية للمهمات الأساسية المتعلقة بالتخطيط والتشريع والتنظيم والتنسيق والمراقبة والتأهيل.

 

ب- منح المزيد من صلاحيات وحدات الإدارة المحلية في مختلف النواحي، ولاسيما ما تعلّق بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخدمية.

 

ج- إدارة المجاس المحلية من قبل السلطات المحلية عن إرادة المواطنين، وذلك بطريق الانتخاب السري المباشر.

 

د- دعم حقيقي للجهود المبذولة لتنمية المجتمع المحلي، وذلك من قبل أصحاب الخبرة والكفاءات العلمية والمهارات المعرفية العالية القادرين على المشاركة.

 

وقد وافق الدستور السوري النافذ في 13 / 3 / 1973م، ما ذهب إليه قانون الادارة المحلية من تنظيم المجالس المحلية ومنحه الشرعية، فقد أورد في الفصل الثالث منه:

 المادة 129: حيث نصت:

1ـ مجالس الشعب المحلية هيئات تمارس سلطتها في الوحدات الإدارية وفقاً للقانون.

 2- تحدد الوحدات الإدارية وفقاً لأحكام القانون..

والمادة /130/ التي نصت: يحدد القانون اختصاصات مجالس الشعب المحلية وطريقة انتخابها وتكوينها وحقوق أعضائها وواجباتهم وجميع الأحكام الأخرى المتصلة بها.

 

  إلا أن هذا القانون قد أُفرِغَ من مضامينه والأهداف التي تبناها، فهي في الحقيقة لم تتحقق كما أعلنت، ولم تكن أكثر من مجرد تسويق إعلامي للنظام اقليميا ودوليا، فلقد جاء القانون كأحد انجازات الحركة(التصحيحية) الانقلاب البعثي الأخير في سلسلة انقلاباته، والتي قادها حافظ الأسد ضد مجموعته ورفاق دربه لتطوى صفحة الانقلابات من تاريخ سوريا، وتبدأ مرحلة الهيمنة والتفرد بالسلطة، فقد عمل منذ البداية على تعزيز الجيش الأداة الانقلابية القوة الضاربة، وتطوير الأجهزة الأمنية وتحسين أدائها بالتنافسية فيما بينها لكسب الثقة، وذلك من أجل سيطرتها على جميع مناحي الحياة في المجتمع السوري، وإحلالها بديلا عن الجيش في فرض الأمن والطاعة والولاء، ومساندة هذا التوجه من الجهاز الحزبي البعثي لفرض طابع أحادي الجانب، في التوجه والرؤى على المجتمع السوري وإعادة تشكيل الرأي العام، من خلال وسائل الإعلام لترسيخ النظام الأبوي الاستبدادي من الأسفل إلى الأعلى، من أجل ترسيخ فكرة الولاء المطلق للرئيس بالإطاعة وليس بالشرعية، الأمر الذي ساهم في استقرار النظام على مدى 30عاما من خلال خطف الدولة والمجتمع والدستور وتقديس الأسدية، وتجذيرها المفهوم نفسيا وفكريا في المجتمع السوري، بالتوازي مع العنف الأمني المستمر والمساندة من المؤسسات الدينية لتعزيز هذا المفهوم.

 

أما من الجانب الاجتماعي والاقتصادي؛ فقد أولاه حافظ الأسد، عناية خاصة للتحكم برقاب العباد وحياتهم، فتركزت سياسة النظام على حد الكفاية، أي بمعنى سد الرمق فقط، وربطه برابط الولاء والطاعة، وفرضه الهوية البعثية على كافة مكونات المجتمع إضافة إلى التقرير الأمني، وقد ذكر السفير السوري السابق لدى واشنطن حمود الشوقي الأمين العام لحزب البعث إبان الانقلاب البعثي الأول في شباط 1966 في مقابلة صحفية له "أن النظام قد أدار البلد بطريقة أمنية وليس دولتيه، وتعامله مع المجتمع جرى على أساس مجموعة أفراد ،وليس على أساس مؤسساتي وعقد اجتماعي بين الدولة ورعاياها" هذا وقد حدد النظام العلاقات الاقتصادية وتوزيع الثروة بناء على الطاعة فقط، ومن يكسرها فالعقوبات المتنوعة والمتعددة والموت والحرمان بانتظاره، وبهذه الحالة تم تجريد الفرد من قيمه الأخلاقية والإنسانية، والسماح بنشوء علاقات النفاق والفساد والرشوة وشرعتنها.

 

وهذا الأمر انسحب على اللامركزية الإدارية، واعتبار وزارة الادارة المحلية مركزا أمنيا كبيرا يتحكم بكل مفاصل الدولة التنظيمية والادارية والاقتصادية ممثلة بالمجالس المحلية.

 

5- صدور المرسوم التشريعي رقم /107/ تاريخ 23 / 8 / 2011 المتضمن قانون الادارة المحلية الذي ألغى ما قبله من قوانين عالجت الإدارة البلدية والمحلية، في مرحلة كانت تشهد فيها سوريا انطلاق الثورة التي بدأت أولى شرارتها في درعا في آذار من عام 2011 م للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية في سوريا.

 

وأمام زيادة حدة المواجهات واتساع نطاق المظاهرات السلمية وشمولها لأغلب المدن السورية، وفي الوقت الذي شعر فيه النظام بالخطر سارع إلى تنفيذ حزمة من الإصلاحات ومنها صدور هذا المرسوم، الذي قسم الجمهورية العربية السورية إلى وحدات ادارية، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وهي المحافظة، المدينة، البلدة، البلدية المادة (7).

 

  وقدد حددت أهدافه المادة (7) منه والتي تتمحور أغلبها حول الآتي:

أ - الأخذ بأسلوب لامركزية السلطة والمسؤولية، وتركيزها في أيدي فئات الشعب تطبيقا لمبدأ الديمقراطية الذي يجعل الشعب مصدر كل سلطة، من خلال توسيع صلاحيات المجالس المحلية، لتمكينها من القيام بمهامها واختصاصاتها على أكمل وجه.

 

ب- إعادة هيكلة الوحدات الإدارة لخلق وحدات إدارية، تستطيع وضع خطط تنموية للمجتمع المحلي وأداء مهامها بفاعلية واقتدار، وجعل الوحدات الإدارية في كل المستويات مسؤولة مباشرة عن الخدمات والاقتصاد والثقافة وكافة الشؤون التي تهم المواطنين في هذه الوحدات، بحيث تقتصر مهمة السلطات المركزية على التخطيط والتشريع والتنظيم، وإدخال أساليب التقنية الحديثة وتنفيذ المشروعات الكبرى، التي تعجز عن تنفيذها الوحدات الإدارية.

 

ج- العمل على تعزيز الإيرادات المالية للوحدات الإدارية، لتمكينها من ممارسة الدور التنموي في المجتمع المحلي الى جانب الدور الخدمي، وجعل هذا المجتمع مسؤولاً عن الحفاظ على موارده وتنمية هذه الموارد لتحسين المستوى المعيشي للمواطنين.

 

د- النهوض بالمجتمع المحلي وتقديم المساعدة على النمو المتوازن وتكافؤ الفرص بين المناطق بتكريس التعاون المشترك بين الوحدات الإدارية من خلال إحداث إدارات مشتركة تستطيع أن تنفذ برامج ومشاريع كبرى بشكل كفوء وفعال.

فنرى المشرع وقد كرس الهيمنة والقبضة الحديدية على الوحدات الادارية المحلية من خلال ما تبناه من مواد وإجراءات كارثية نذكر منها:

 

أ- تعطيل دور الوحدات الإدارية المحلية، حيث منح المشرع المجلس الأعلى للامركزية صلاحية البت في كل الشؤون والتدابير التي يراها هو مناسبة للسكان المحليين وليست مجالسهم المنتخبة من قبلهم، واقتراح القوانين الخاصة والقرارات التنفيذية اللازمة، بالإضافة إلى وضعه الخطة الوطنية اللامركزية، وإصدار القرارات اللازمة ضمن جدول زمني محدد والإشراف على تنفيذها. المادتين (3،4).

 

ب- تعطيل مبدأ الرقابة الشعبية حيث نصت المادة (121):

1- على الجهات الرقابية إهمال كل الشكاوى التي لا تقدم وتوقع من قبل أصحابها بالذات مرفقة بالوثائق والمستندات، وبصورة عن البطاقة الشخصية سواء كانت بحق رئيس الوحدة الادارية أو المكتب التنفيذي أو العاملين في تلك الوحدات.

 

2- طلب تحريك الدعوى العامة بحق كل من يثبت ان ادعاءه كاذب.

 

هذا المتطلب تعجيزي ويمثل تهديدا لكل من يحاول الشكاية، علما أنها في الإدارة الحديثة تمثل قناة اتصال رئيسة بين المؤسسات والجمهور، فيجب أن تحافظ عليها وتساندها وتوفر الكادر المؤهل للتعامل معها، بهدف التعرف على الأخطاء والعيوب وانحرافاتها، فتعمل على تلافيها مما يحسن بالتالي من أدائها ويردم الفجوة بينها وبين العملاء والمحيط بشكل عام وبالتالي تزداد  الانتاجية ذات الجودة العالية وتتحسن السمعة وتترسخ القة والمصداقية، سواء كان المنتج صناعيًّا أو تقديم خدمة، لذلك من الواجب تشجيع الأفراد على عرض شكاياتهم بكل الوسائل وتحفيزهم على ذلك، ومن سبل التحفيز هو توفير الاتصال مع المجالس المحلية، عبر خط هاتف ذي شبكة أرضية مع ميزة عدم إظهار رقم المتصل صاحب الشكوى.

 

ج- صلاحية رئيس الجمهورية المطلقة بحل المجالس المحلية على مختلف مستوياتها وتتم الدعوة الى انتخاب مجالس محلية جديدة خلال تسعين يوما من تاريخ الحل دون النص على الحالات التي تجيز لرئيس الجمهورية اتخاذ هذا الإجراء. المادة (122).

 

إلا أنه في التطبيق العملي لهذا القانون لم يتحقق شيء من بنوده أو مواده وأهدافه المثالية إلا بشكلٍ مشوهٍ وبصورة عكسية للنتائج المتوخاة، فهي نظرية في المطلق، وقد جاء بعده دستور عام 2012م بعد ضغط احتجاجات الشارع السوري على النظام، وفي غمرة المظاهرات السلمية التي تطالب بالحرية والمساواة والكرامة الإنسانية، كمنقذ اصلاحي للأوضاع المتردية التي هزت أركان النظام، إلا أنه ورغم  تخليه عن المادة (8)  في دستور عام 1973م فإنه لم يأت أيضا بجديد سوى تكريس السلطة والهيمنة والتفرد بالحكم كنظام أوتوقراطي شمولي، وتأكيده عدم الفصل بين السلطات مع استخدامه مصطلحات الحرية والديمقراطية والتحكم في السلطة تحت غطاء آخر، وتعتمد بنية السلطة كما في العهد السابق بشكل أساسي على شخص الأسد فقط.

 

المبحث الثالث
تطبيقات عملية في اللامركزية الإدارية

 

إن الدول التي تمر بظروف تاريخية متشابهة في العموم، تتشابه كذلك في نظم الإدارة المحلية. مثال على ذلك, تتشابه الأنظمة المحلية للدول العربية التي خضعت للاستعمار أو الانتداب الفرنسي, وتتأثر هذه الانظمة بنظام الإدارة المحلية المعمول به في فرنسا, وأكثر ما يظهر هذا الأمر في دول المغرب العربي (الجزائر وتونس والمغرب) التي تحكمها ليس فقط عوامل تاريخية متشابهة, بل ايضا اعتبارات جغرافية وثقافية واجتماعية مشتركة، وسنسلط الضوء على تجارب دول عربية ناجحة (كأنموذج) يُهتدى به في معرض تطبيقها للامركزية الإدارية ونأخذ التجربة الجزائرية (بلدية قسنطينة) في مطلب أول، وفي المطلب الثاني ندرس تجربة المملكة الأردنية الهاشمية (أمانة عمّان الكبرى).

 

المطلب الأول: التجربة الجزائرية (بلدية قسنطينة)

 تأخذ الجزائر في إدارة التجمعات السكانية المحلية بالنهج الإداري اللامركزي، حيث تم تقسيم الاقليم إلى وحدات متدرجة، وفي قمة هذا التدرج توجد الولاية وعلى رأسها الوالي، وتقسم الولاية إلى دوائر، والدوائر إلى بلديات، وهذا هو الاسلوب الذي اعتمده المُشرّع الجزائري ويقوم على أساس توزيع الوظيفة الإدارية بين الحكومة المركزية والهيئات الإدارية المستقلة اقليميًا.

 

وقد عرفت المادة الأولى من القانون البلدي الجزائري البلدية بأنها: *الجماعة الاقليمية السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأساسية *. كما تأخذ الدولة بالأسلوب المركزي بالتوازي مع اللامركزية، وذلك نظرا لاتساع رقعة الجزائر وتعقد الحياة فيها، والرغبة في خلق التوازن الاقتصادي والاجتماعي بين جميع الأقاليم، وتوزيع أساليب النشاط الإداري بقدر تنوع الحاجات المهنية للسكان الذين يتم إشراكهم في إدارة شؤونهم الحياتية.

 

بنية اللامركزية الإدارية الجزائرية:

أجهزة البلدية:

إن البلدية هي أول وحدة لامركزية في الدولة، وهي تتمتع بالشخصية الاعتبارية، ولا تتأثر هذه الشخصية المقررة للبلدية بحل المجلس الشعبي البلدي.

 

هذا وتتألف البلدية من مؤسستين ديمقراطيتين يتبنيان معا مبدأ ديمقراطية الحكم الجماعي والانتخاب، وذلك لتحقيق الكفاءة والفعالية في جميع الميادين، وهما: المجلس الشعبي، والهيئة التنفيذية

 

1- المجلس الشعبي:

 أ- ينتخب لمدة خمس سنوات، ويتم انتخاب النواب من ضمن قائمة وحيدة للمرشحين يقدمها الحزب، ويكون عدد المرشحين مساويًا لضعف المقاعد المطلوب شغلها، ويكون الانتخاب عامًا ومباشرًا وسريعًا ولا يجوز العضوية في عدة مجالس شعبية منتخبة.

 

ب- يجتمع بدعوة من رئيسه أو بطلب من الوالي، ويرأسه رئيس المجلس أو من يفوضه، وتتخذ الاصوات بالأغلبية المطلقة، وجلساته علنية أو سرية حسب طلب الاعضاء.

 

ج- يجوز للمجلس الشعبي البلدي أن يشكل من أعضائه لجانًا استشارية دائمة ومؤقتة، لدراسة المسائل التي تهم البلدية، كما يجوز الاستعانة بذوي الاختصاص من مؤسسات الدولة أو سكان البلدية.

 

2- الهيئة التنفيذية:

أ- هي جهاز تنفيذي مكون من أعضاء ينتخبهم المجلس الشعبي البلدي من بين أعضائه، وذلك وفقًا لعدد سكان البلدية، وتجتمع بدعوة من الرئيس كلما تطلبت شؤون البلدية ذلك.

 

ب- تسهر على تطبيق قرارات المجلس، وتعتبر الهيئة العليا للمجلس الشعبي البلدي وأعضاء الهيئة التنفيذية (نواب للرئيس).

ج- في بلدية قسنطينة: توجد عدة لجان، وكل لجنة يرأسها نائب من نواب الرئيس ال14، وكل رئيس يتعامل مع مدير إداري يقوم بتنفيذ مداولات المجلس، ومقررات اللجنة التنفيذية إلى جانب ممارسة الاختصاصات الإدارية المخولة له بموجب القوانين الجاري العمل بها.

 

 الجهاز الإداري:

بلدية قسنطينة مستقلة وذات شخصية اعتبارية ويرأس الجهاز الإداري فيها:

 1- كاتب عام يساعده مديرون ذوو مستوى وتجربة عالية، وهم بعدد لجان المجلس الشعبي البلدي، ويعاون كل مدير رؤساء مصالح ومكاتب وأقسام وفروع بلدية متعددة حسب أهمية كل مديرية وحسب المهام الموكلة إليها.

 

2- رئيس المجلس الشعبي: يمثل الدولة كما يمثل البلدية:

أ- باعتباره ممثلاً للبلدية: يباشر الاختصاصات التنفيذية المعروفة ويمثل البلدية في جميع أعمالها المدنية والإدارية وفقًا للقوانين والأنظمة.

ب- باعتباره ممثلاً للدولة: يكون مسؤولا عن نشر وتنفيذ القوانين واللوائح والأنظمة ضمن نطاق البلدية وتحت سلطة الوالي.

 

الوصاية الإدارية:

1 - تُمارس سلطة الوصاية من طرف الوالي، على أعمال البلدية وفقًا لما تضمنه القانون البلدي، بغية الحد من التجاوزات التي قد تحدث، أو لمنع البلديات من اتخاذ قرارات لا تتلاءم مع المتطلبات الوطنية أو المحلية.

2 - تُمارس هذه الوصاية بطريقتين:

أ- وصاية على المجلس الشعبي البلدي.

ب- وصاية على القرارات التي تصدر عن المجلس بعد المداولة.

3 - الطعن في قرارات السلطة الوصائية: رغبة في تمكين الهيئات البلدية من الدفاع عن نفسها إزاء تصرفات سلطة الوصاية التي تخرج عن القانون أو تتعدى على استقلالها، منحها القانون حق الطعن في القرارات عن طريق الوسيلة الإدارية، وهي التظلم الرئاسي أمام رئيس الوالي أي وزير الداخلية، كما يمكنها استعمال الطريق القضائي.

 

المطلب الثاني: تجربة المملكة الأردنية الهاشمية (أمانة عمّان الكبرى)

يوجد في المملكة الأردنية الهاشمية في معرض تطبيقها للامركزية الإدارية، في الإدارة المحلية ثلاث مستويات من الهيئات المحلية وهي:

 

1- المحافظات: يستند هذا التنظيم إلى نظام التشكيلات الإدارية، ويترأس المحافظة محافظ الذي له صفتان، فهو من ناحية ممثل للسلطة التنفيذية، وأيضا هو رئيس للمجلس التنفيذي وللمجلس المحلي الاستشاري في المحافظة بصفة محلية من ناحية أخرى. والمجلس التنفيذي يتم انشاؤه في كل محافظة ولواء برئاسة المحافظ وعضوية مساعد المحافظ والقائد العسكري للمنطقة ورؤساء الدوائر في المحافظة ما عدا المحاكم، أما المجلس الاستشاري فيتم تأليفه في كل محافظة بناء على أمر من المحافظ وبموافقة وزير الداخلية.

 

2- البلديات: البلدية هي مؤسسة أهلية تتمتع بالشخصية الاعتبارية، وتقوم بتمثيلها مجالس محلية تتشكل بالانتخابات المباشرة. وحدد قانون البلديات رقم / 29 / لسنة 1955م تنظيم كافة الأمور الإدارية المرتبطة بهذه البلديات.

 

3- المجالس القروية: القرية هي عبارة عن أي مكان يصرح فيه وزير الداخلية في الجريدة الرسمية وفقا القانون، أنه قرية أو وحدة عشائرية، بشرط أن لا يعتبر قرية أي مكان يقع ضمن منطقة اختصاص مجلس بلدي.

 

أمانة عمّان الكبرى:

تشكلت في 1/1/1987م باعتبارها بلدية من جميع الوجوه من أجل تحقيق الأهداف التالية:

أ - زيادة القدرة على حل المشاكل العديدة الي برزت بين حدود المدينة وبين حدود المجالس البلدية والضواحي المحيطة بها

 ب- انشاء إدارة حديثة للمدينة تكون قادرة على توفير الكوادر ذات الكفاءة والفعالية

 ج- ايجاد وحدة تخطيطية واحدة ومتكاملة لمنطقة عمان الكبرى وتتكامل وتتناسق مع الجهاز التخطيطي للدولة

 د - وضع الخطط الشاملة لمواجهة تفجر النمو العمراني والسكاني ومشكلة التحضر، والقضاء على البؤر المتخلفة وضبط العمران العشوائي.

 هـ - ضمان وحدة التنظيم والإدارة والرقابة

و - مواجهة مشكلة التمويل وارتفاع كلفة أداء الخدمات بالاستخدام الأمثل للموارد

ز- العمل على تطوير وتنمية المجتمع

ح- توحيد الجهود لمواجهة المشاكل التي يكون نطاقها حدود المدينة الكبرى

ط- مشاركة المواطنين في إدارة المدينة.

 

 رقابة السلطة المركزية على البلديات:

تتمتع المجالس البلدية بحرية إدارة شؤونها، وتخضع بعض أعمالها لرقابة السلطة المركزية وهو من قبيل الاستثناء من القاعدة، وذلك بعكس المجالس القروية حيث لا تصبح قراراتها نافذة إلا بعد تصديقها من الحاكم الإداري.

 

ويتضح من خلال استعراض تجارب الدول العربية المشابهة للدولة السورية، أن الدول العربية على اختلاف نظمها السياسية تأخذ بنظام اللامركزية في الإدارة المحلية بشكل أو بآخر، وبصرف النظر عن تطبيقه على العواصم العربية أو المدن الكبرى، الأمر الذي يسمح لنا بالقول إن هذا النظام قد أصبح مظهرًا من مظاهر الدولة الحديثة، الذي يتصل اتصالاً مباشرًا بتوزيع بعض مسؤولياتها وصلاحياتها، على الوحدات الإدارية المحلية المختلفة بصرف النظر عن أهميتها الاستراتيجية أو من حيث عدد السكان.

وبالتالي تعد تلك التجارب ناجحة ويمكن الاهتداء والاستفادة منها، دون تفضيل واحدة على الأخرى لارتباط ذلك بالظروف الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل دولة.

 

مقترح اللامركزية الإدارية الموسعة في سوريا الديمقراطية

نظرا لفقدان السوريين الثقة المطلقة، في السلطة الأمنية المركزية الحاكمة في دمشق، والطروحات الانفصالية محليا ودوليا، والتي يتصدرها حزب الاتحاد الديمقراطي، بجناحيه العسكري (قسد) والسياسي (مسد)، ومن أجل الوصول إلى صيغةٍ أفضل للامركزية الإدارية في سورية وتحقيق أهدافها المتبناة، والتي لا تزال تحتاج لمزيد من الإصلاح والتطوير والتطبيق الفعال لتتلاءم مع الواقع السوري المعاش، مع الأخذ بعين الاعتبار سنوات الحرب المدمرة وما أفرزته من احتقان عرقي وطائفي؛ فإننا نقترح الآتي:

1- الأخذ بنظام سياسي ديمقراطي قوي ومتماسك في سوريا الجديدة، قائم على أسس ومبادئ الحوكمة والهوية الوطنية الموحدة، وشمولها كل السوريين وعلى كامل التراب السوري. 

 

 2- صياغة عقد اجتماعي جديد يوضح العلاقة بين جميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم وبين حكومتهم، ويرسخ الحقوق الأساسية للمواطن السوري وحقوق الإنسان وفق المعاهدات والمواثيق الدولية.

 

3- التوافق السياسي بداية بين جميع مكونات الشعب للسوري، على الأخذ بنهج الإدارة المحلية وأداتها اللامركزية الإدارية الموسعة، لتتلاءم مع احتياجات مرحلة ما بعد الحرب، وعلى الخصائص المميزة لكل المحليات بالتوازي مع المركزية الرشيدة، التي تتعلق ببعض مرافق الدولة وهيئات السلطة المركزية، والأخذ بعدم التركيز الإداري في نطاق ضيق ومؤثر ومحدد المدة الزمنية لا تتجاوز مرحلة انتخابية واحدة.

 

4- تطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة دستوريا، على كامل الأرض السورية الموحدة على أساس جغرافي، تكريسا لدولة المواطنة التي يتساوى فيها المواطنين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن انتماءاتهم، من خلال منحها سلطة أوسع في فرض سياساتها الضرائبية، وتحديدها للميزانية التي توائم أهدافها المحلية. 

 

5- إعادة هندسة هيكل جهاز الإدارة المحلية، بما يتوافق وطموحات السوريين مع أهداف اللامركزية الإدارية الموسعة.

 

6- تمكين المواطنين في المجتمع المحلي من المشاركة الفعالة والحقيقية في إدارة الشؤون العامة المحلية، من خلال الانتخابات النزيهة والشفافة التي تعتبـر ظاهرة ديمقراطية وممارسة حضارية، لتأكيد حرية الفرد في اختيار من يراه مناسبا لتمثيله في السلطة.

 

7- ضمانات دستورية في اختصاصات الوحدات المحلية، في معرض إدارتها لشؤونها المحلية.

 

8- الرقابة المالية المتقدمة، التي ترشد الأمور المالية للوحدات المحليات ودعمها في مجال الاحتياجات المجتمعية الضرورية.

 

9- عصرنة العلاقات بين الإدارة المركزية والوحدات المحلية فيما يتعلق بالتخطيط الاستراتيجي، بما يحقق التنمية المتوازنة والمستدامة في كل المجالات والتي لا يمكن لها الاستمرارية بفعل الدولة وحدها أو دونها، بل لابد من المشاركة بين الحكومة والوحدات المحلية والقطاع الخاص والمؤسسات المجتمعية.

 

10- الأخذ بمبدأ الرقابة الإدارية القضائية الرشيدة، بحيث يحق للسلطة المركزية مخاصمة التصرفات القانونية للمجالس المحلية أمام القضاء الإداري (محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة)، مع تمتع السلطة المركزية في هذه الحالة بحق طلب وقف تنفيذ التصرف القانوني حتى البت بأمره قضائيا.

 

11- نقل المزيد من الصلاحيات المركزية إلى مجالس المحافظات، والمدن والبلديات وذلك فيما يتعلق بشؤون المحافظة.

 

12- إقامة الدورات التأهيلية والتدريبية والندوات وورش العمل لأعضاء المكاتب التنفيذية وأعضاء مجالس المحافظات ورؤساء مجالس الوحدات الإدارية لتمكنهم القيام بأعمالهم والمحافظة استقلال وحداتهم المحلية..

 

خاتمة

  لم تعد اللامركزية الإدارية مجرد تجربة من الواجب تطبقها فحسب، بل أصبحت ضرورة لازمة في كل الدول المتقدمة، وذلك لحسن سير العمل وانتظامه، وتقريب الخدمات وتيسيرها للمواطنين بصفة عامة حيث يقطنون، وإن اختيار هذا الأسلوب الديموقراطي الهادف إلى إسهام السكان ومشاركتهم في تدبير شؤون مناطقهم، مكّن المسؤولين من الحصول على كوادر قادرة على النهوض بإدارة شؤون مناطقهم وتنميتها، والبحث عن أنجع الوسائل الكفيلة بتنظيم مرافقها.

 

ومن نافلة القول ومن خلال التجارب العديدة التي عاشتها سوريا، في تطبيق الفدرالية واللامركزية، ابتداءً من دستور الملك فيصل ومروراً بالاتحاد الفدرالي السوري لسنة 1922 وقوانين الإدارة المحلية لسنة 1957 وتجربة الاتحاد الفدرالي بين مصر وسوريا، ووصولا لقانون الإدارة المحلية الحالي 2011م يمكننا القول أن نظام الإدارة المحلية وأداته اللامركزية الإدارية، لم يُطبق فعليا ووفقا للأهداف المعتمدة، إذ تم حرفه عن مساره الحقيقي من قبل السلطة السياسية، حيث أسس البعث وخصوصا بعد آخر انقلاباته عام في1971م، دولة مركزية أمنية مخابراتية، ضيقت الخناق على المجتمع وعلى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية برمتها، يقودها منفردا وفقا للمادة (8) من دستور عام 1973م، الذي لم يعترف بمبدأ فصل السلطات بشكله التقليدي، وذهب الى تبني التفرقة بين الوظيفة السياسية المتمثّلة بالحزب القائد، ورئيس الجمهورية، ومجلس الشعب،

 

فالقيادة القطرية ترسم الخطوط الأساسية للسياسة الخارجية والداخلية، ورئيس الجمهورية لا تقتصر اختصاصاته على المجال التنفيذي بل تمتد لتشمل السلطة التشريعية، ضمن قيود شكلية كما يملك كذلك حق حل مجلس الشعب، وتعيين وإقالة الوزراء والمحافظين والمجالس المحلية، ويتولى مجلس الشعب سلطة التشريع، أما بالنسبة لمجلس الوزراء فهو يمثل دستوريا الهيئة التنفيذية العليا للدولة، وجاء دستور عام 2012م، كمنقذ اصلاحي في بداية الاحتجاجات التي هزت أركان النظام، إلا أنه ورغم تخليه عن المادة (8) فإنه لم يأتِ بجديد سوى تكريس السلطة والتفرد بالحكم، كنظام أوتوقراطي شمولي، وتأكيده عدم الفصل بين السلطات مع استخدامه مصطلحات الحرية والديمقراطية والتحكم في السلطة تحت غطاء آخر مختلف.

 

 لذا فإننا نؤكد على خطابٍ وطنيٍّ جامعٍ، مبنيٍّ على تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، ويقتضي الأمر المطالبة بدولة مواطنة لا دولة محاصصة، ونبذ كل أشكال التطرف والاستبداد، ورفض تقسيم المجتمع إلى هوياته الفرعية في الدستور، بل السعي لإقرار قوانين تحفظ حقوق جميع السوريين دون تمييز، والخطاب الوطني يقتضي احترام الهويّة الحضارية الجامعة لأبناء الشعب السوري بمختلف أطيافهم وإثنياتهم وأعراقهم ومذاهبهم، وعدم تعويم الهوية الجامعة وإلغائها واستبدالها بهويات فرعية بحجة الاعتراف بالتعدد!

 


 

المراجع:

أولا- المراجع القانونية:

 1- دستور المملكة السوريــة العربيـة الصادر في 13 تمــوز سنة 1920 م.

 2- دستور سوريا 1930 م.

 3- دستور الجمهورية العربية السورية في 23 ذو القعدة 1369 الموافق 5 أيلول 1950م.

4- قانون البلديات رقم / 172/ تاريخ 23/ 1 / 1956م.

5- قانون نظام الإدارة المحلية رقم /124 / تاريخ 28 /3/ 1960 م.

6- قنون الإدارة المحلية رقم 115 لعام 1971 م.

7- دستور السوري لعام 1973 م.

8- قانون دارة المحلية رقم 107لعام 2011 م.

9- الدستور السوري لعام 2012 م.

 

ثانيا- الكتب والبحوث الإدارية:

1- حسام الدين الحكيم، تجربة الإدارة المحلية والآفاق المستقبلية لتطويرها، الجمهورية العربية السورية، وزارة الإدارة المحلية.

2– المعهد العربي لإنماء المدن، اساليب الإدارة المحلية في خدمة المدن العربية المعاصرة، أعمال وبحوث وتوصيات المؤتمر السابع لمنظمة المدن العربية, الجزائر 1983م.

3- ثروت بدوي، مبادئ القانون الإداري، المجلد، دار النهضة العربية، القاهرة 1966م.

4- سليمان الطماوي، مبادئ القانون الإداري (دار الفكر العربي، القاهرة 1964م.

5- طعيمة الجرف، مبادئ في نظم الإدارة المحلية، مكتبة القاهرة الحديثة، 1962م.

6- عبد الله طلبة، مبادئ القانون الإداري، ج1، منشورات جامعة دمشق، 2003م.

7- عبد الله طلبة، الإدارة المحلية، منشورات جامعة دمشق، 2003م.

8- عبد الله طلبة، محمد الحسين، مهند نوح، المدخل إلى القانون الإداري (منشورات جامعة دمشق، 2007م.

9- الدكتور: محمد جمال مطلق الذنيبات، الوجيز في القانون الاداري: ماهية القانون الإداري، الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان – الأردن، 2003، ص 95.

10- الدكتور: محمد رفعت عبد الوهاب، مبادئ وأحكام القانون الإداري، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت- لبنان، 2002م.

11- فؤاد العطار، القانون الإداري (دار النهضة العربية، القاهرة 1976م.

12- محمد الحسن، مبادئ القانون الإداري، ج1 (منشورات جامعة حلب، 2003م.

13- محمد فؤاد مهنا، القانون الإداري العربي في ظل النظام الاشتراكي الديمقراطي التعاوني القاهرة ،1965 م.

14- مصطفى أبو زيد فهمي، «نظام الإدارة المحلية في القانون المقارن»، مجلة العلوم الإدارية، السنة الثالثة، العدد الأول، 1961م.

15- مصطفى البارودي، الوجيز في الحقوق الإدارية (منشورات جامعة دمشق، 1958 م.

16- إير شار كانسكي، الإدارة العامة، مؤسسة سجل العرب، 1979 م.

17- الدكتور سنان علي ديب / جمعية العلوم الاقتصادية

 

ثالثا- المواقع الإلكترونية:

1- موقع الدراسة الجزائري- https://eddirasa.com/

2- مؤسسة النبأ- اللامركزية كسبيل للخروج من دائرة الشلل الحكومي- باسم حسين الزيدي-

https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/16239

3- مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث-  http://www.shrsc.com/

4- منتدى القلوب الصادقة- التجربة الجزائرية في تطبيق اللامركزية في الإدارة المحلية- تجربة بلدية قسنطينة –نموذجًا https://dahmane16.ahlamontada.net/t4956-topic

5- المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية، الاقتصادية والسياسية-  https://democraticac.de/

6- المنتدى العربي لإدارة الموارد البشرية- م/ محمد عبد الله المغربي- https://hrdiscussion.com/hr5800.html

 

____________________________________________________________________

(للاطلاع على الدراسة كملف pdf يُرجى تحميل الملف المُرفق أسفل الصفحة)

---------------------------------------------------------------------------------------

الحقوق الفكرية محفوظة لصالح المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2021

 

 

787.86 كيلوبايت

تابعنا على الفيسبوك

القائمة البريدية


تابعنا على تويتر

جميع الحقوق محفوطة للمؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2024 / تنفيذ وتطوير شركة SkyIn /