المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام
الكوارث الطبيعية.. وقفات تربوية مع كارثة الزلزال

الكوارث الطبيعية.. وقفات تربوية مع كارثة الزلزال

ندوة بعنوان (الكوارث الطبيعية.. وقفات تربوية مع كارثة الزلزال)

 

إعداد: وحدة الرصد والمتابعة
تاريخ النشر: 2023/04/29

 

عقدت المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام بالتعاون مع منظمة نبض الإنسانية والمعهد الإسلامي في فيينا ندوة علمية متعلقة بكارثة الزلزال الذي أصاب جنوب تركيا وشمال سورية في السادس من فبراير/شباط الماضي، قدم فيها الدكتور أمير زيدان مجموعة من المحاور، وأدراها الدكتور محمد خير الوزير.

 

دوافع عقد الندوة

عرّفَ الدكتور محمد خير الوزير بالدكتور المحاضر "أمير زيدان" رئيس المركز الإسلامي في فينا، وأستاذ كرسي الفقه وأصوله في جامعة "نوفي بازار" بصربيا، وله باع طويل في الحوار الإسلامي المسيحي في ألمانيا وفيينا، وشارك أيضا في مشروع الحوار السوري السوري الذي يرعاه ويًيسره مجلس الكنائس العالمي منذ ثمانية أعوام.

 

ثم انتقل د. الوزير لعرض السبب الذي يقف وراء عقد الندوة، وهو ما يردده البعض أن الزلازل والكوارث الطبيعية تعود بسبب غضب الله تعالى لِما انتشر في الأرض من فجور وسفور، علمًا أن هذه الكوارث أصابت الفقراء أكثر مما أصابت أصحاب الصفات المذكورة سابقًا، بما فيهم المستبدين والأشرار؛ هذا الأمر لم يقبله جمهور واسع من المجتمع، مع العلم أن امتحان الله عزّ وجلّ في النِّعم هو أشد من امتحانه لنا بالبلايا والنقم.

 

في رحاب الندوة

بدأ الدكتور زيدان محاضرته بالثناء والترحيب بالحضور المتنوع من كافة مكونات الشعب السوري، وبيّن أن الإنسان هو محور ومركز الدين الإسلامي؛ بل أتى الإسلام للارتقاء بالإنسان، ونظم الدين الإسلامي للإنسان خمسة علاقات هامة جدا، وهي المؤثرة في حياته الدنيوية والأخروية "علاقته مع الله سبحانه وتعالى" وتقوم على عبادة الله التي تعني حب الله تعالى وشكره على نعمه، ولذلك فإن الكفر هو الجحود بنعم الله وعدم شكر الله عليها، وهذا أمر تتقاسمه كافة الأديان – "علاقة الإنسان مع أخيه الإنسان" سواء كان من المسلمين أو من غيرهم، وهي تقوم على ركيزتين هما العدل الذي يعني إعطاء كل ذي حقٍّ حقه، والإحسان هو أن تعطيه أكثر مما يستحق، والله أمرنا بالعدل والإحسان وما عدا ذلك هو الظلم المنهي عنه – "علاقة الإنسان مع الكون" الذي سخره الله سبحانه وتعالى لنا مجانا، فلا ندفع فيه ثمن الطاقة ولا الهواء ولا الثروات الباطنية، وتقوم على التسخير الذي سخره الله لنا، ومن جانبنا نحن بني الإنسان نحافظ على هذه الثروات من أجل الأجيال اللاحقة، فلا نبذر ولا نقتر ولا نفسدها – "علاقة الإنسان في الدنيا" حيث تقوم علاقته في الدنيا على أنها دار ابتلاء "اختبار وامتحان بخيره وشره" وليست دارا للخلود – "علاقة الإنسان بالآخرة" التي هي دار الحساب والجزاء وهي الحياة الحقيقية ودار الخلود

 

 إنّ الوعي الذي يتميز به الإنسان يجعله مناطًا للامتحان والابتلاء بأشكال مختلفة عبّر عنها القرآن الكريم في كثير من الآيات ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ﴾ ، ولذلك فإن المطلوب على هذه الابتلاءات هو الصبر والعمل على إزالة هذه المصائب لتستمر الحياة، وبالتالي فإن الابتلاءات هي تذكير للإنسان لما سيؤول إليه إلى الله سبحانه وتعالى، ولذلك عليه تذكر الله عند إصابته بأية مصيبة، فبعض الصالحين كان عندما يأتيه رزق كثير يعتبر ذلك من باب الابتلاء، ويحاول التخلص منه أو إنفاقه في حقه حتى لا يصبح نقمة عليه.

 

كما أن البلاءات لا تختص بقسم من البشر، بل هي عامة (لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) بمعنى تذكير لهم للعودة إلى خالقهم، وتذكرهم لما سيؤولون إليه يوم الحساب.

 

ويُذكرنا الله تعالى دائما بالصبر لأنه أحد أسباب النجاح وتجاوز المشكلات، وذكر القرآن الكريم المبادئ الأساسية في النجاح (وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) وبالتالي فإن أول شروط النجاح هي الجماعة التي تصدق مع الله تعالى ومع من يعمل، والعمل الصالح كمساعدة اليتيم أو الحفاظ على البيئة، والتقويم من خلال التواصي بالحق، والصبر من خلال العمل به، فقصص الناجحين كلها تحمل صور متعددة وشيقة في الصبر الطويل.

 

وردت كلمة الفتنة في القرآن الكريم بمعنى الابتلاء والامتحان (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)، والفتنة في اللغة العربية، تعني فتنت الذهب والفضة أي أذبتهما ليتميز الرديء من الجيد فيهما، وبالتالي فإن هذه الابتلاءات التي تقع تُميز في الواقع بين المُسيء والمُحسن، والمصائب لا تدل على أن هؤلاء الناس هم أشرار وسيئين، لأن الرسول يقول عندما سئل: أي الناس أشد بلاء؟ قال الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل. كما يوجد حديث عن الرسول يقول "إن عِظَمَ الجزاء من عِظَمِ البلاء"،

 

وبالتالي فإن بلاء الإنسان بحسب دينه، فإن كان صلبا اشتد باؤه، وإن كان فيه رقة ابتلي على حسب دينه، فلا يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض دون خطيئة، وبالتالي فإن هذه الابتلاءات تكفيرٌ عن أخطاء، وتصحيحٌ لأخرى في الدنيا أو الآخرة.

والابتلاءات هي رحمة من الله تعالى وليست عقابًا، وامتحان اليوم يُلقي علينا واجب القيام بالإجراءات التي من شأنها تخفيف مُصاب المصابين وتصبيرهم، وكيف نسخر موارد البيئة لصالح الحياة التي نعيش بشكل أفضل مما كان سابقا.

 

♦ تساءل الدكتور محمد خير الوزير هل من استعتاب الله عزّ وجلَ لنا أن فسادنا في البرّ والبحر حيث لا نقوم ببناء الأبنية على أسس سليمة، فالبيوت التي تهدمت أكثرها مخالف، وعدم اتباع المعايير العلمية في إنشاء الأبنية هو إشارة لمثل هذا الفساد؟

رد الدكتور زيدان بقوله أن ما حدث في الزلزال كان للبعض عقاب، ولآخرين فضيحة، وللبعض رحمة، وما يجب الاستفادة من الزلزال يتعلق بإتقان العمل، كون الزلزال فضح المشاريع التي تمت في السنوات الأخيرة، والتي كان هدفها جني المال دون الأخذ بالمعايير.

 

♦ د. الوزير: كيف لنا أن نتجاوز هذه الكارثة؟

أن ندرك جميعنا أننا سنموت، حيث فقدنا عشرات الآلاف من الضحايا، وأن نعالج ما نجم عن الكارثة، كالأطفال الأيتام، ولا بد من إقامة مشاريع لكفالة حياتهم وعلمهم، والعمل أيضا على إغاثة من قطعت به الكارثة وجعلته من دون مأوى أو مأكل. وبالنسبة للسوريين، وبما يتناسب مع حالتهم، فإن من أظهر الحنان والتكاتف مع المنكوبين منهم، هم السوريون الآخرون في أي بقعة كان، ولا بد من التضامن بيننا، وذكر د. زيدان أنه مع مجموعة من السوريين يشرفون على مدرسة في حارم بإدلب، قاموا بإيواء البنات فيها ممن تضررت أسرهم في الزلزال، والسبب عدم الاعتناء بتعليم البنات في هذه المنطقة لأسباب عديدة كالفقر، في الزلزال فقدنا مدير المدرسة، وبعد ذلك تواصلنا مع بقية المدرسين في المدرسة للتنسيق معهم في أن تكمل المدرسة مهمتها في تعليم البنات بعد تدبر أمورهم الناجمة عن الزلزال، وكل مجموعة تقف على ثغر يجب أن تقوم بإكماله وعدم التوقف.

 

 د. الوزير: كيف نحول نقاط الضعف والتهديدات إثر هذه الكارثة إلى نقاط قوة وفرص؟

العمل بأسباب النجاح الوارد ذكرها بداية الندوة، وأعمال الخير كثيرة جدا، تقوم على التنظيم والشفافية والصبر والمتابعة، وليس بالضرورة أن تكون لها علاقة بالدين.

 

♦ د. الوزير عكست فزعات السوريين لبعضهم البعض صور التكامل الاجتماعي، ما تعقيبكم على ذلك؟

د. زيدان: وجدنا صور التكافل، وبالمقابل وجدنا صورا مشينة في الاختلاسات، ولذلك فإن تكليف الصادقين الذين يشعرون بالمسؤولية تجاه أخيهم الإنسان، وهؤلاء من يجب البحث عنهم والعمل معهم، رغم وصولنا إلى درجة الإحباط أو عدم الاكتراث، لنصل بعملنا إلى درجة النجاح.

 

♦ د. الوزير نريد منكم دعوة إلى أن الدين الإسلامي يحرر العقل، ويدعو الى عدم الركون إلى رجال الدين والمشايخ في كل مسألة، وإدراك النصوص الكونية والشرعية كل في منزلتها المناسبة؟

د. زيدان: نلخصها في كلمات قليلة، تتمثل بآية في القرآن الكريم (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۚ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُٔولًا) يعني لا تمشِ وراء من يجهل بمسألتك، وفي القرآن الكريم نصوص لا يعذر أحد بجهلها، ونصوص أخرى تحتاج إلى مختصين في ذلك.

 

مساحة حوارية

طرح المشاركون في الندوة مجموعة من الأفكار والمشاكل والآراء تتعلق بالأعمال الواجب تنفيذها بعد الكارثة للتخفيف من آثارها، وصولا إلى إزالتها بشكل كامل؛ منها أنه يجب عدم النظر للأمر "الكارثة" من منظور ديني بل من منظور علمي، وهو الأمر الذي أكده الدكتور زيدان في حديثه.

 

* يجرح العاملين في منظمات المجتمع المدني زيادة أصوات المشككين في العمل الإنساني، ولا يعني ذلك عدم وجود فساد في تلك المنظمات أو غيرها، وخاصة في الأزمات والنكبات، وموضوع التشكيك شكل مانعًا للبعض بسبب هذا التشكيك، ويمكن معالجة ذلك من خلال نشر الوعي عبر خطباء المساجد، والشفافية المطلقة في برامج العمل.

 

العمل على إصلاح منظمات المجتمع المدني التي لم تستطع كسب الثقة المجتمعية لأسباب كثيرة تتعلق بالتوزيع والتوظيف والانتقائية، وتأهيل الخبرات نفسيا ومعنويا التي تعمل في مجال القطاع العام لتعمل على تنفيذ أعمالها بإتقان.

 

ضرورة العمل على توحيد المنظمات، وعدم إنشاء منظمات متعددة، فتعدد المنظمات يشتت نظر الداعمين لها، من جهة، ومن جهة ثانية ترتفع فيها نسب الفساد... والجهاد لا يعني القتال فقط، فالجهاد في الزلزال هو المساعدة المالية والطبية والإغاثية.

 

* العمل على أن نضيف جرعة الفرح للدين الإسلامي، وهي موجودة أصلا في النص، ومن شأنها أن تجعل المسلم أكثر إنتاجية، وتتم عبر أساليب أهمها أن الدين المسيحي بمراجعاته جعل الفرح أساس الحياة.

 

* يعاني السوريون بشكل عام من مسألة الفردانية، واعتبار كل واحد منهم رأس المجموعة أو المنظمة التي يتواجد فيها، علما أن الوجود في الصف الثاني من شأنه أن يحقق فرصا للواحد منهم أن يقدم بشكل أكبر للصالح العام، ولذلك فإن التكاتف فيما بيننا هو الحل لتفعيل العمل الجماعي.

 

* ضرورة العمل على توحيد العمل الإغاثي بكافة مجالاته من خلال هيئة موحدة للمنظمات، من خلال تأسيس الهلال الأحمر الحر الذي يمثل قوى الثورة والمعارضة.

 

ختم الدكتور محمد خير الوزير الندوة برسالة من الدكتور هيثم مناع جاء فيها "التصوير الفني في القرآن وموضوع الكوارث الطبيعية  في آيات من سورة الشعراء..

أخي أبا زياد في صلاة الفجر غدا اقرأ هذه الآيات حسنة لأبنائك وبناتك..

قال تعالى:

"أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128)  وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134)"

 

تفسير بدائي ضروري لمن تغيب عنه النباهة: أتبنون بكل مكان مرتفع بناء عاليًا تشرفون منه على أطفال الشارع والمتسولين؟ وتتخذون قصورًا منيعة وحصونًا مشيَّدة، كأنكم أقوى من الطبيعة وأفعالها، وإذا بطشتم بأحد من الخلق قتلا أو ضربًا، فعلتم ذلك قاهرين ظالمين، وقد أمدكم الله بشروط بقاء الجنس البشري والحيوانات والنباتات والماء والجنان فاعتديتم عليها جميعًا.   

 

 

__________________________________________________________________

(للاطلاع على التقرير كملف pdf يُرجى تحميل الملف المُرفق أسفل الصفحة)

---------------------------------------------------------------------------------------

الحقوق الفكرية محفوظة لصالح المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2023

 

474.01 كيلوبايت

تابعنا على الفيسبوك

القائمة البريدية


تابعنا على تويتر

جميع الحقوق محفوطة للمؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2024 / تنفيذ وتطوير شركة SkyIn /