اللاجئون السوريون في لبنان: بين مالتوس وابن خلدون
الكاتب: حسن محب الدين - أحد أمناء الرابطة السورية لكرامة المواطن
تاريخ النشر: 2020/04/20
متظاهرون في ساحات لبنان للضغط على الحكومة من أجل اجراء إصلاحات جذرية لتحسين وضع اللبنانيين الذين ضاقوا ذرعاً بما يجري في بلدهم، تعطلت معظم الأعمال لبضعة أشهر، ثم مع استحقاق أول دفعة لدَين لبنان البالغ أكثر من تسعين مليار دولار أميركي والذي يثقل كاهل الحكومة، أعلن لبنان عدم قدرته على السداد، وأنه سيتفاوض مع الدائنين لإعادة جدولة القروض، ملتحقاً بذلك إلى قائمة الدول المتعثرة, عوّلت الحكومة على مساعدات خارجية ولكن ما هي إلا أيام حتى بدأ فايروس كورونا جولته في مناطق لبنان، ليجعل الأزمة اللبنانية عميقة، خطيرة, وذات تبعات كبيرة على قاطني لبنان، من لبنانيين ومهجرين سوريين, لا شك أنه مشهد قاس رسم ختام 2019 وبداية العام 2020 لبلد يعاني من مشاكل متعددة.
يبلغ عدد المهجرين السوريين في لبنان قرابة مليون نسمة، وهو ما يشكل قرابة 15% من السكان اللبنانيين، وقد تعرض هؤلاء لهجمات عنصرية عديدة في سبيل الضغط عليهم للعودة إلى بلدهم، بغض النظر عن الظروف التي تسود موطنهم, تارة بذريعة زيادة عدد السكان التي تشكل أزمات ومشاكل للبنان, وتارة أخرى بحجة أن لبنان لا يحتمل تبعات وجودهم.
شهدت سنوات التغريبة السورية في لبنان هجمات متنوعة، منها هجوم على أعلى مستوى, فقد صرح رئيس الجمهورية ميشيل عون في السادس من أيار 2019: " أنَّ استمرار وجود النازحين السوريين بكثافة في لبنان، يشكل خطرًا مباشرًا، لا سيَّما على الوضع الاقتصادي الذي يواجه صعوبات", كذلك صرح وزير الخارجية جبران باسيل في نفس الفترة: "ستتهموننا بالعنصرية ضد النازحين ولكن نحن مع النازحين السوريين في بلادهم أما في لبنان فنحن مسؤولين عن اللبنانيين", كما تحدث جبران باسيل عن التفوق الجيني لمواطني بلده على غيرهم من الشعوب وحمّل باسيل ومسؤولين لبنانيين آخرين السوريين أزمات لبنان من بطالة وفشل في وصول الخدمات الرئيسية للمواطنين, لتصل المسألة بالبعض بأن يتهمهم بأنهم سبب مشاكل السير وتعطل حركة المرور.
في الوقت ذاته الذي تضرب فيه جائحة كورونا (كوفيد19) معظم دول العالم مترافقة بأزمات اقتصادية غير مسبوقة، يسترجع البعض أفكار "روبرت مالتوس" حول أن زيادة سكانية ضخمة مقابل زيادة بسيطة في الموارد المتاحة ستسبب مشكلة عدم كفاية هذه الحاجات للسكان, وبالتالي فإن الحروب والمجاعات والأمراض هي الحلول المساعدة التي ستتكفل بإعادة التوازن.
لطالما هوجمت هذه النظرية بشكل كبير منذ أن طرحها مالتوس في عام 1773 لدرجة أن كتب فيها بعض الشعراء البريطانيين قصائد هجاء, ولا تزال النظرية موضع نقد لاذع لما فيها من استخفاف بأرواح البشر وتقبل المخاطر التي يمكن أن تحيط بهم على أنها واقع لا يجب دفعه على أقل تقدير.
لا يختلف الأساس النظري الذي يستخدمه المسؤولون اللبنانيون العاملون على تزكية العداء ضد اللاجئين السوريين في لبنان عمّا طرحه مالتوس كثيراً, فهم يرون أن دفع اللاجئين للموت المباشر أو الاعتقال على يد نظام الأسد هو الحل للمشكلة اللبنانية, فعودتهم ستقلل عدد قاطني لبنان مما يحلُّ معظم الأزمات!. متناسين واقع لبنان المؤلم قبل وجود السوريين، فالدين العام اللبناني بدأ فعلياً في تسعينات القرن الماضي، ويتنامى بوتيرة متسارعة نتيجة عجز الموازنة الحكومية, ومشكلة الكهرباء والمياه وتصريف الفضلات وغيرها من المشاكل المتجذرة في القطاعين الصحي والتعليمي عمرها عشرات السنوات, ولا دخل للسوريين بالأزمة اللبنانية من قريب أو بعيد.
لا شك أن بنية لبنان الهشة تسارع من تأثير أي أزمة، ويحاول الفرقاء السياسيون عكسها بما يناسب توجههم، ضاربين بالأعراف والقوانين والقيم الإنسانية عرض الحائط, في توظيف مقيت لكل ما يخدم برامجهم، لدرجة محاولة حشد الرأي العام اللبناني ضد وجود المهجرين السوريين، مما رفع منسوب الهجمات المباشرة على السوريين في كل مناطق لبنان.
إن واقع اليوم والمستقبل الصعب الذي نتوقعه يجب أن يشكل دافعاً للمجتمع الدولي للتدخل أكثر لحماية اللاجئين السوريين في لبنان من استهداف مقيت وواقع معيشي مؤلم, عن طريق تقديم يد العون لهم في ظل ما يواجهونه, استجابة لمبادئ الإنسانية المتفق عليها, وربما اقتراباً من قول ابن خلدون: "إن لهذا الاجتماع إذا حصل للبشر وتم عمران العالم بهم فلابد من وازع يدفع بعضهم عن بعض لما في طابعهم الحيواني من العدوان و الظلم".
مقالات الرأي التي تنشرها المؤسسة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي المؤسسة.
(للاطلاع على المقالة كملف pdf يُرجى تحميل الملف المُرفق أسفل الصفحة)
-------------------------------------------------------------------------------------
الحقوق الفكرية محفوظة لصالح المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2020