المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام
فشلُ وتعثّر تنظيمات المعارضة السورية

فشلُ وتعثّر تنظيمات المعارضة السورية

إعداد: الأستاذ محمد العبيد 

تاريخ النشر: 2022/09/26

 

اثنتا عشرة سنةً من ضعفٍ وهشاشةٍ في التنظيم إلى تعثّرٍ وتناقضٍ في الأداءِ والسلوكِ حتى عمّ الفشل غالبية أجسام ومؤسسات المعارضة، وشمل ذلك غالبية مؤتمراتها ومبادراتها, ومن أجل أن لا نكرر الأخطاء ونبعثر الجهود، وللاستفادة من تجارب الماضي, لابد من تسليط الضوء على بعض أخطائنا وأمراضنا.

 

كثيرا ما تُطرح الأسئلة والتساؤلات؛ لماذا هذه التنظيمات فشلت؟ ولماذا لم تُنتج؟ ولماذا لم تنجح؟ وكما هي كثيرة الأسئلة، أيضا كثيرة هي الأسباب والظروف التي أدت لكل هذا التراكم من الفشل, ولكن سوف أسلط الضوء فقط على مسألتين، وهما الحالة التنظيمية، والسلوك الفردي والأداء الجمعي في واقعنا السوري.

 

 بالنسبة للحالة التنظيمية إنّ أغلب التنظيمات السورية تفتقد للبُنى التنظيمية الصحيحة، كما تفتقد للحد الأدنى من الإجراءات التنظيمية، وتغيب عنها المنهجية الواضحة التي من المفروض أن تربط الأوضاع التنظيمية بإجراءات وآليات العمل، حيث لا يمكن لِأيّ جسم أو مؤسسة النهوض والتقدم من غير وجود حركة انسيابية داخلها, تربط ما بين الأوضاع التنظيمية وإجراءات العمل, وما بين الحالة التنظيمية والأدوات والآليات المعمول بها؛ ضمن الالتزام الكامل بالأولى.

 

وعدا ذلك سوف تتغلب الفردية بالعمل على العمل المؤسساتي، وتتناقض في الأداء والسلوك اللذين لم يعودا يتماشيين مع آليات وأدوات العمل، وبالتالي تعثر في الحركة وتخبط وخلط في مسارها.

 

كما أن تلك الأجسام تغيب عنها الاستراتيجيات المعتمدة والواضحة التي على أساسها يتم وضع التصورات والسيناريوهات لتتمكن هذه المؤسسة من وضع خطة عمل حاضرة ومستقبلية شاملة تعتمد عليها في صناعة الفعل السياسي, وأن لا تبقى تنتظر ردة الفعل والأمر حسب التوجيهات, لتتحول فيما بعد إلى جمادٍ بلا حركةٍ ولا دورٍ, فسرعان ما تفقد قيمتها وتأثيرها؛ هكذا حتى تخسر حاضنتها الداخلية والخارجية.

 

فإن أي تنظيمٍ لأي جسمٍ ومؤسسةٍ لا يقوم إلا إذا ارتكز على أركانٍ أساسيّةٍ متينة، وكلما كانت الأركانُ قويةً كلما كان البناء قوياً ويؤدي الهدف منه، مع ضرورة ربطها مع الفعاليات الأساسية من حيث التخطيط والتنظيم إلى الرؤية والاستراتيجية إلى الأهداف ثم التنفيذ، فإذا نظرنا إلى حال تنظيمات المعارضة بكافة أجسامها ومؤسساتها نجدها تفتقد لما ذكرت أعلاه، وإن وُجِدَت عند البعض منها نجدها مفككةً وغير مترابطةٍ فنجد الأوضاع التنظيمية بوادٍ والإجراءات والرؤى بوادٍ، كما نجد السلوك والأداء يختلف ويتناقض مع الأهداف، وبذات الوقت نجد الآليات المتبعة تتناقض فيما بينها ومع كل مما سبق.

 

وهنا لابد من التذكير أن المعارضات السورية لم تعد تملك أصدقاء وحاضنة كما السابق، ولم تعد تملك جغرافية سورية تنطلق منها، وليس لديها قوة عسكرية وطنية تعتمد عليها ولا قوة اقتصادية تستثمر فيها وتستمد منها قوة.

 

 لم تعد تملك من أوراق قوتها إلا أمرين؛ أولا قوتها في التنظيم وثانيا القرارات الأممية، فإذا أردنا تحقيق الثانية لابد من الاستثمار في الأولى وهو التنظيم  لبناء مؤسسة وطنية حقيقية نعمل من خلالها للضغط والدفع إلى تحقيق وتطبيق تلك القرارات, وإذا أردنا بناء هذه المؤسسة يجب أن يتضمن البناء التنظيمي وجود الهيكل وما يتطلبه من وضوح للمفهوم الذي يُبنى عليه مع وضوح الأدوار والمسؤوليات والصلاحيات مع تبيان جهة المساءلة والمكافأة لإعطاء مناخ تنظيمي يوفر استقلالية في الحركة و يشجع على بذل الجهود وحسن الأداء ليضبط عمل الكل، ويُلزم الجميع بكل قوانينه ولوائحه التنظيمية، ويكون المركز لمنع أي محاولات تتجاوز كل ذلك, ولابد من وجود مسودة سلوك تنظم طبيعة العلاقة بين الأعضاء وبالتالي تحافظ المؤسسة على وجودها وترفع من مستوى أدائها لتحقق أهدافها.

 

أما بالنسبة للأداء والسلوك فكم أُنفِقَت أموال، وبذلت جهود لإعادة هيكلة وبناء تنظيمات المعارضة، سواء الرسمية وغير الرسمية, وكم قُدمت أبحاث ودراسات، وكم عُقدت جلسات وندوات ضمن مجموعات متعددة ومختلفة، وكم قُدمت مبادرات وأُقيمت مؤتمرات وكم كُتبت أوراق بهدف التنظيم والبناء, كان كله مصيره الفشل و الشللية.

 

ببساطة إنه حبُّ الذات والتعصّب للأفكار الفردية, إنه حب التفرد والسيطرة على الآخرين، وكثيرا ما نسمع البعض أنهم ممن أسسوها وصنعوها وكان لهم الدور الكبير في ذلك، وفي الحقيقة هم مُتصنِّعون, فتراهم يُنادون بالتنظيم والمؤسسة، وتارة ينظرون لها من اجل الإثبات للآخرين أن لديهم الرغبة بالعمل الجماعي، وبذات الوقت هم ذاتهم من تجاوز نظم وقوانين تلك الأجسام والمؤسسات وضرب بها عرض الحائط, وجعل من شخصه وفرديته هو المؤسسة، فمنهم من جدد لذاته الكرسي، ومنهم بادله بكرسيّ زميله، ومنهم من رهن مكانه لحزبه وفكره، ومنهم من أَتبعه لتلك الدولة ومصالحها، ومنهم من يقول مالا يفعل ويفعل مالا يقول، ومنهم من استثمر بالمؤسسة بدلّ أن تستثمر المؤسسة فيه وبقدراته، ومنهم  ومنهم و منهم .....

 

فكيف سوف نجد من يقف معنا ويحترمنا إذا كنا نحن الذين نطالب بدولة القانون أول من نتجاوز القوانين التي كتبناها واتفقنا عليها ضمن مؤسساتنا, وأحيانا نُعدِّل عليها حسب مصالحنا الضيّقة والشخصيّة, فكيف يستوي أداؤنا مع هدفنا، ونحن من نطالب بالحرية والديمقراطية بوقت نقصي بعضنا ونستبد على بعضنا ضمن مؤسساتنا، كما أنّ سلوكنا بدل أن يدل على مطالبنا يدل على فسادنا واستبدادنا, فأي دولة ومنظمة سوف تساعدنا، ومن هو السوري الذي سوف يثق بنا, فكيف بهذا الأداء والسلوك سنعيد البناء والثقة بيننا من جهة، وبين الحاضنة التي فقدتها المعارضة، وكيف سوف نستقطب المواطن السوري الذي في الطرف الآخر بعد أن شاهدنا وشاهد كل هذا الخراب في أدائنا وسلوكنا!

 

 ومن ثم لننظر لجانب آخر في الشخصية السورية النادرة التي تتجاوز حبّ السلطة والسيطرة، وهذه الشخصية التي تؤمن بالحريات وسيادة القانون وتسعى لبناء تنظيم قوي ليخلق منه مؤسسة وطنية ديمقراطية جامعة, بعيدا عن المحاصصة والشخصنة, كيف لهذه الشخصية النادرة التي تؤمن بالعقل الجمعي ولا تتعصب لرأيها أن تواجه تيارا من المئات المخالف لهذا الفكر والتوجه من حيث الأداء والسلوك كما أخشى أن يكونوا بالآلاف، فالمؤسسة لا يُصلحها إلا التعاون والتفاهم والقبول بالآخر بروح الفريق الواحد، ولا يُعطلها ويُفسدها إلا حبّ التسلط والتفرد وتهميش الاّخرين، إضافة إلى التمتع بحب الظهور على حساب وجود وجهود الاّخرين, لذلك ستبقى هذه التنظيمات بكافة أجسامها ومؤسساتها حبيسة التسلط وسوء الاّداء والارتهان ثم التبعية.

 

ستبقى مُعطّلةً ومن غير جدوى تُذكر مالم تؤمن بالعمل المؤسساتي، ويستوي قولها مع أدائها، وتتنازل عن حب السيطرة وتقبل التشارك مع الاّخر والتشاركية بالعمل, عدا ذلك ستبقى كل هذه التنظيمات وأوراقها وأنظمتها الداخلية ولوائحها التنظيمية وكل مواثيقها ورُؤاها ومبادئها حبراً على ورق وشعارات نظرية، لتوهم ذاتها وغيرها أنها تعمل ضمن مسلك الجسم الواحد والعمل المؤسساتي.

 

فاذا أردنا النجاح والخروج من حالة العجز علينا الإيمان بفكر المؤسسة والانخراط فيها التزامًا منا، ولنخضع لقوانينها قولا وعملا، ولنبتعد عن حب الهيمنة ونُقلص دور الفرد فيها, كما على المؤسسة الاهتمام بكل فردٍ فيها ليكون محكومًا فيها، ولا تكون المؤسسة محكومةً بسيطرة الفرد داخلها, كما لا يؤثر غيابه أو حضوره في عمل المؤسسة ونشاطها, فلابد من التوازن بين الروح الفردية والروح الجماعية في العمل.

 

 

مقالات الرأي التي تنشرها المؤسسة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المؤسسة

-------------------------------------------------------------------------------------

الحقوق الفكرية محفوظة لصالح المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2022

484.88 كيلوبايت

تابعنا على الفيسبوك

القائمة البريدية


تابعنا على تويتر

جميع الحقوق محفوطة للمؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2024