المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام
العيد الوطني السويسري: متى سيكون لنا نحن السوريون والسوريات مثله؟!!!

العيد الوطني السويسري: متى سيكون لنا نحن السوريون والسوريات مثله؟!!!

العيد الوطني السويسري: متى سيكون لنا نحن السوريون والسوريات مثله؟!!!

بقلم د. محمد خير الوزير
سياسي وكاتب وباحث وأكاديمي سوري


في الأول من آب من كل عام، يحتفل السويسريون بعيدهم الوطني، وهو مناسبة تجتمع فيها الأمة كلها لتكريم تاريخها وهويتها. يعود هذا العيد إلى الأول من أغسطس عام 1291، عندما وقّعت ثلاث مقاطعات سويسرية، هي أوري وشفيتس وأونترفالدن، ميثاقًا للدفاع المشترك، واضعين بذلك الأساس للاتحاد السويسري. أصبح هذا الميثاق رمزًا للوحدة والاستقلال والتضامن الوطني، ومنذ ذلك الحين، وهم يحتفلون بهذا اليوم من خلال الألعاب النارية والعروض الموسيقية والمهرجانات التقليدية.

 

هذا العام، حضرت الاحتفال بصحبة ابني وزوجتي، وأنا أرى السعادة تغمر ابني بعيد وطنه، وكذا سعادة زوجتي بعيد بلدها وبفرحة ابنها. كانت الفرحة تملأ القلوب، والابتسامات تعلو الوجوه في كل مكان.

 

نظرت في وجوه من حولي، فرأيت الأحمر والأصفر والأبيض والأسود، ولغات متعددة تصل إلى ما يزيد عن 180 لغة، ناهيك عن تعدد الديانات والطوائف والعرقيات. يجتمعون جميعًا ليحتفلوا بالعيد الوطني. وقفت وسط الجموع بعينين ملتهبتين كالجمر، فأنا منذ أعوام لا أستطيع البكاء ولا الضحك.
حضرتني أبيات من الشعر تصف حالتي:

وسائلتي ما بالُ دمعك أسوداً

وقد كان فياضًا وأنتَ عليلُ

 

فقلت دمي والدمع أفناهما البكا

وهذا سوادُ المقلتين يَسيلُ.

 وأنا أنظر بهاتين العينين أرى أن ما يفرق المجتمعين أكثر مما يجمعهم، ومع ذلك، بإرادتهم الحرة، أنهوا نزاعاتهم وأسسوا دولة تكاد تكون الأولى في عالمنا.

 

ما بالنا نحن السوريون والسوريات؟ فما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، فمتى سيكون لنا عيد يجمعنا نحتفل فيه ناسين اختلافاتنا، متطلعين إلى بناء مستقبل زاهر واعد؟ كلنا، دون استثناء، نتحمل نتيجة ما وصلنا إليه، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. ويجب علينا أن ندرك ذلك بعمق؛ ليس بيننا برئ إلا الأطفال الذين نتحمل مسؤولية بناء غد مشرق، ومستقبل لهم ووطن موحد ينعمون فيه بالأمن والأمان.

 

بينما كنت أشاهد هؤلاء الناس، أدركت كم نحن بحاجة إلى يوم كهذا، يوم نجتمع فيه جميعًا للاحتفال بوطننا. دعونا نتعلم من تجربة سويسرا، التي رغم تنوعها واختلافاتها، استطاعت بناء مجتمع متماسك يحتفل بوحدته كل عام.
فيا أيها السوريون والسوريات تعالوا إلى كلمة سواء تجمع بيننا لنبني مجتمعًا جميلًا، وننبذ ما يفرقنا، ونؤسس لسبل العيش المشترك. لنتعلم من التاريخ وما مر بالأمم، التي رغم تنوعها واختلافاتها، استطاعت بناء مجتمع متماسك يحتفل بوحدته كل عام.

 

في نهاية هذا اليوم، وقفت بين الجموع، وشعرت بأمل يلوح في الأفق. رغم كل الصعاب والآلام، ما زالت هناك فرصة لنا نحن السوريين والسوريات أن نعيد بناء وطننا، أن نجد طريقًا يجمعنا ويجعلنا نحتفل بيوم وطني، يوم ننسى فيه خلافاتنا ونتطلع إلى مستقبل مشرق، مليء بالسلام والازدهار. لنجعل من هذا الحلم حقيقة، لنعمل سويًا من أجل سورية جديدة، يسودها الحب والوئام، وتجمعنا فيها كلمة واحدة: الوطن.

 

سوريا، بلد غني بالتاريخ والثقافة والتنوع، تستحق أن تكون بلدًا يحتفل بوحدته. كلنا مسؤولون، من كل الأطياف والانتماءات، عن بناء هذا الوطن. ليس هناك مكان للانقسام أو العداء بيننا. لنتكاتف جميعًا ونعمل على ترسيخ قيم التسامح والاحترام المتبادل.

ولنستبدل التاءات الثلاث النكدة (تطرف – تعصب - تمييز)
بتاءات الأمل، والتفاؤل (تعايش – تسامح - تضامن)

عندما نرى كيف احتفل السويسريون بوطنهم، يجب أن نتعلم أن الوحدة ليست مستحيلة، بل هي نتيجة لجهود مشتركة وتضحيات صادقة. علينا أن نؤمن بقدرتنا على التغيير، وأن نبدأ بالخطوات الصغيرة التي تقودنا نحو مستقبل أفضل. لا يمكننا أن نتجاهل الألم والمعاناة، لكن يمكننا أن نحولها إلى دافع لبناء سورية مختلفة عن واقعها الآن، سورية للجميع.

 

لننظر إلى المستقبل بأمل وعزيمة، ولنبدأ في بناء جسور الثقة والتعاون بيننا. دعونا نجعل من عيدنا الوطني مناسبة تعبر عن حبنا لوطننا واستعدادنا للتضحية من أجله. لنحلم جميعًا باليوم الذي نرى فيه سورية تحتفل بعيدها الوطني، يوم يجتمع فيه كل السوريين والسوريات تحت راية واحدة، راية السلام والمحبة.

 

في هذا اليوم، أتمنى أن يعم السلام أرضنا، وأن يعيد لنا الأمل بغد أفضل. لنعمل معًا، لنبني معًا، ولنجعل من سورية وطنًا يحتفل بوحدته، وطنًا نفتخر به أمام العالم. حينها، ستكون لنا أيضًا أيام نحتفل فيها بحريتنا واستقلالنا، وننقل لأبنائنا قصة نضالنا وتضحياتنا من أجل وطن يستحق أن يعيش فيه الجميع بكرامة وسلام.

409.17 كيلوبايت

تابعنا على الفيسبوك

القائمة البريدية


تابعنا على تويتر

جميع الحقوق محفوطة للمؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2024