المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام
دعوة الخطيب: رؤية حكيمة لإنهاء الصراع.

دعوة الخطيب: رؤية حكيمة لإنهاء الصراع.

دعوة الخطيب: رؤية حكيمة لإنهاء الصراع.

تقدير موقف حول دعوة الخطيب للانسحاب الإيراني من سوريا:
د. علاء الدين آل رشي - مدير المركز التعليمي لحقوق الإنسان

 

 

الانسحاب الإيراني من سوريا: خطوة نحو المصالحة وحفظ ماء الوجه.

الشيخ أحمد معاذ الخطيب، الشخصية السياسية البارزة في الثورة السورية، يعد أحد الأصوات القليلة التي تسعى لحلول بناءة ومستدامة، تجمع بين الحكمة والواقعية.

 دوره كرئيس أسبق للائتلاف الوطني السوري المعارض، وسيرته السياسية والفكرية، جعلاه رمزاً للفكر العقلاني الذي يرفض العنف والاحتواء ويؤمن بالحوار، مع الحفاظ على مصالح الشعب السوري.
في تصريحاته الأخيرة، دعا الزعيم الخطيب القيادة الإيرانية لسحب قواتها وميليشياتها من سوريا، مقدماً رؤية لحل قد يفتح باب المصالحة ويضع حداً للأزمة التي أنهكت الشعب السوري لعقد كامل.

 

المآسي التي جلبها التدخل الخارجي الإيراني وغيره:

منذ اندلاع الثورة السورية، كان التدخل الخارجي أحد أهم العوامل التي زادت من تعقيد الأزمة وأطالت أمدها. وعلى رأسها التدخل الإيراني، عبر دعمها المباشر لنظام الأسد، وجلب ميليشياتها مثل حزب الله إلى ساحة المعركة، أدى إلى كارثة إنسانية واجتماعية تفوق الوصف.

المدن السورية تحولت إلى ساحات قتال، والمجتمعات المدنية دفعت الثمن الأكبر، حيث قُتل مئات الآلاف وتشرد الملايين نتيجة القصف الممنهج والمعارك الدامية.

هذا التدخل لم يكن مجرد دعم سياسي أو عسكري محدود، بل تعدى ذلك إلى محاولات لترسيخ الهيمنة الطائفية في سوريا، مما أدى إلى تزايد الانقسام الطائفي بين السوريين، وتعزيز الاستقطاب الذي زاد من تعقيد الأوضاع. التدخلات الخارجية الأخرى من روسيا والولايات المتحدة وتركيا ساهمت أيضًا في تعقيد المشهد، لكن التدخل الإيراني كان الأكثر تأثيرًا في تحويل الصراع إلى نزاع إقليمي ذو طابع طائفي.

انسحاب القوات الإيرانية من سوريا سيكون خطوة جوهرية نحو استعادة سيادة سوريا وتمكين الشعب السوري من تقرير مصيره دون تدخل خارجي. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الانسحاب سيخفف من التوترات الإقليمية ويساهم في تقليص حجم الصراع الطائفي الذي نشأ نتيجة التدخلات الأجنبية.

بالنسبة لإيران، سيكون هذا الانسحاب فرصة لتجنب الهزيمة السياسية والعسكرية التي تواجهها في سوريا، وهو ما يمكن أن يسهم في تحسين علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية الأخرى، بالإضافة إلى إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية مع المجتمع الدولي.

دعوة أحمد معاذ الخطيب لسحب القوات الإيرانية ليست مجرد موقف سياسي، بل تعكس إدراكًا عميقًا لحقيقة الوضع الميداني والإقليمي.

الشيخ الخطيب يدرك أن استمرار التدخل الإيراني سيزيد من تعقيد الأزمة السورية ويطيل أمد الصراع، لذلك يأتي اقتراحه كحل عملي يمكن أن يجنب إيران والشعب السوري المزيد من المعاناة.

دعوته ليست موجهة فقط إلى إيران، بل إلى جميع الأطراف التي تسعى للسلام والاستقرار في سوريا.

إضافة إلى الانسحاب، دعوة الخطيب تحمل رسالة مهمة، وهي أن الحلول تأتي من الداخل، من الشعب السوري الذي يجب أن يتمتع بحق تقرير مصيره دون تدخل خارجي.

 لكن الدعوة تحتاج إلى دعم إضافي، وهو ما يفتح الباب أمام ضرورة الاعتذار والتعويض.

إحدى النقاط الجوهرية التي يجب أن ترافق الانسحاب الإيراني من سوريا هي اعتذار حزب الله عن دوره في الصراع.

 ليس من السهل الحديث عن اعتذار ميليشيا مسلحة بحجم حزب الله، لكن هذه الخطوة ضرورية لتحقيق المصالحة الحقيقية. الاعتذار يمثل اعترافًا بالخطأ، وتقديرًا للمعاناة التي تسبب بها هذا التدخل.

حزب الله لم يكن مجرد قوة عسكرية تقاتل في سوريا، بل كان جزءًا من آلة القمع التي تسببت في مقتل عشرات الآلاف من السوريين وتشريد الملايين. من القصير إلى الزبداني، ومن القلمون إلى درعا، لعب حزب الله دورًا محوريًا في دعم نظام الأسد ضد مطالب الشعب السوري بالحرية والكرامة. هذا التدخل أدى إلى تعميق الكراهية الطائفية بين السوريين واللبنانيين، مما جعل من الصعب تحقيق أي نوع من المصالحة في المستقبل دون مواجهة الحقيقة.

الاعتذار هنا ليس فقط عن المشاركة في القتال، بل عن كل الأضرار التي لحقت بالمدنيين الأبرياء، وعن المذابح التي ارتكبت تحت غطاء "المقاومة".

 الاعتذار سيكون خطوة جريئة من حزب الله تجاه الشعب السوري، ويمكن أن يسهم في تهدئة الأوضاع الطائفية، ويعيد جزءًا من الثقة المفقودة بين السنة والشيعة في المنطقة.

إلى جانب الاعتذار، يجب أن يتضمن الحل تعويضًا للضحايا الذين تضرروا من التدخلات الخارجية، وعلى رأسهم حزب الله. التعويض ليس مجرد مسألة مالية، بل هو اعتراف بحقوق الضحايا وإعادة بناء ما دمره الصراع.

لقد تسبب تدخل حزب الله في تدمير مدن وقرى بأكملها، وتشريد آلاف العائلات التي لا تزال تعاني من الآثار النفسية والمادية لهذا التدخل.

تقديم التعويضات سيكون خطوة نحو تحقيق العدالة، ويساهم في تخفيف معاناة هؤلاء الضحايا.

التعويض يمكن أن يكون على عدة مستويات؛ أولاً، تعويض مالي للأسر التي فقدت معيلها أو تضررت منازلها، وثانيًا، إنشاء صندوق لدعم إعادة إعمار المدن التي دمرت نتيجة التدخلات الخارجية.

توفير دعم نفسي واجتماعي للضحايا الذين يعانون من الآثار النفسية الطويلة الأمد نتيجة الصراع.

هذا التعويض لا يجب أن يقتصر على حزب الله وحده، بل يجب أن يمتد ليشمل كافة الأطراف التي ساهمت في تدمير سوريا، سواء كانت دولًا أو ميليشيات مسلحة.

 لكن حزب الله، بحكم دوره الرئيسي في الصراع، يجب أن يتحمل النصيب الأكبر من المسؤولية.

الانسحاب الإيراني من سوريا، والاعتذار من حزب الله، وتقديم التعويضات، كلها خطوات لا تهدف فقط إلى إنهاء الصراع الحالي، بل إلى بناء علاقة جديدة بين الشعبين السوري والإيراني، وبين السنة والشيعة في المنطقة.

إن مستقبل المنطقة يعتمد على قدرة الأطراف المختلفة على تجاوز الماضي المرير وبناء جسور جديدة من الثقة.

 الشعب السوري لا يحمل كراهية تجاه الشعب الإيراني، بل العكس، كانت هناك علاقات تاريخية جيدة بين البلدين قبل تدخل إيران في الأزمة السورية.

إعادة بناء هذه العلاقات يتطلب خطوات جريئة وشجاعة، تبدأ بالاعتراف بالخطأ وتقديم الاعتذار والتعويض للضحايا.

هذه الخطوات ستفتح الباب أمام تعاون مستقبلي في مجالات مختلفة، سواء اقتصادية أو ثقافية، وستسهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي والحد من التوترات الطائفية التي غذتها الصراعات المستمرة.

 لا يمكن الحديث عن حل حقيقي للأزمة السورية دون انسحاب القوات الإيرانية وميليشياتها من سوريا، وتقديم اعتذار رسمي من حزب الله وتعويض الضحايا.

 هذه الخطوات ليست فقط في صالح الشعب السوري، بل في صالح إيران وحزب الله على المدى البعيد، حيث ستمكنهم من تجنب الهزيمة السياسية والعسكرية، وستفتح الباب أمام علاقات جديدة قائمة على الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة.

 

لا حل دون عدالة ودون كف الأيدي الشقية التي قتلت وهجرت.
وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي:

ما ضَرَّ لَو جَعَلوا العَلاقَةَ في غَدٍ *** بَينَ الشُعوبِ مَوَدَّةً وَإِخاءَ

 


(للاطلاع على ورقة تقدير الموقف كملف pdf يُرجى تحميل الملف المُرفق أسفل الصفحة)

---------------------------------------------------------------------------------------

الحقوق الفكرية محفوظة لصالح المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2024

 

396.71 كيلوبايت

تابعنا على الفيسبوك

القائمة البريدية


تابعنا على تويتر

جميع الحقوق محفوطة للمؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2024