رسالة إلى السيد نعيم قاسم: فرصة جديدة لاستعادة القيم
رسالة إلى السيد نعيم قاسم: فرصة جديدة لاستعادة القيم
السيد نعيم قاسم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
وصل إلينا نبأ انتخابكم أميناً عاماً لحزب الله، ونرى في هذا التغيير فرصة حقيقية لإعادة النظر في التحالفات والاستراتيجيات التي انتهجها الحزب في السنوات الماضية، والتي أدت إلى تدهور سمعته ووضعت الحزب في موضع يتنافى مع قيم الإمام الحسين ومبادئ الإمام الحسن، بل ومع مبادئ الإسلام التي تدعو للعدالة والحرية واحترام حقوق الإنسان.
دعوني أستشهد بجزء من الرسالة التي بعثها السيد الجليل أحمد معاذ الخطيب إلى السيد حسن نصر الله في 23 أبريل 2013، حيث قال: "لا يخفى عليكم أن المنطقة تُجر إلى فتنة ربما لا ينجو منها أحد، وأن هناك سعياً نحو تفتيتها، وإدخالها في صراع مذهبي مرعب يستهلكها عشرات السنين. إني لا أؤمن بالحرب، وأعتبرها عجزاً للإنسان فينا، وأن التفاهم وحده هو سبيل حل أية مشكلة تنشأ بين الأفراد أو المجتمعات، وعلى الأمم ألا تغتر بالقوة التي تمتلكها؛ فكم تفككت إمبراطوريات عظيمة بسبب غرور القوة الذي يسكنها."
وتابع الخطيب في رسالته قائلاً: "ألم يكفنا سنةً وشيعةً أكثر من ألف عام من الخصام؟ لنَدفِنَ العقلية المذهبية الضيقة ونُخرج الأمة من وهم الانتصار. في حرب تموز، فتحنا نحن السوريين بيوتنا وقلوبنا للمقاومة، رغم اختلافنا في بعض قضايا الاعتقاد، ليقيننا بأنهم كانوا يصدون عدواً لئيماً. ورفرفت أعلام حزب الله في شوارعنا، وامتدت أيدينا بما تيسر من قوت أبنائنا لدعم أشقائنا في لبنان. أفهكذا تكون المكافأة لشهامة هذا الشعب الكريم؟"
واليوم، ومع تواصل الأحداث المؤسفة واغتيالات قيادات حزبكم على الأراضي السورية، يتضح أن الحليف الدمشقي الذي اعتمدتم عليه قد خان الثقة وسلم أوراقكم وسهّل تسريب معلومات حساسة عنكم. فهل ما زال بإمكاننا أن نعتبر هذا الحليف نصيراً حقيقياً للحزب، أم أنه بات عبئاً ثقيلاً؟
حسب بعض التقديرات، قُتل أكثر من 1,200 مقاتل من حزب الله في سوريا منذ بدء الحرب، مما ألقى بأعباء ثقيلة على الحزب وقاعدته الشعبية في لبنان. هذا فضلاً عن أن تدخله في سوريا زاد من حدة الصراعات الطائفية في المنطقة وأسهم في تفاقم أزمة النزوح، حيث فرَّ أكثر من 13 مليون سوري من منازلهم بين نازحين ولاجئينرقام تعكس حجم الكارثة التي لحقت بالشعب السوري، وكذلك تكاليف التدخل التي يتحملها حزب الله وشعبه.
وأضاف السيد الخطيب في رسالته التاريخية: "إن تدخل حزب الله اللبناني في سوريا قد عقّد المسألة كثيراً، وكنتُ أتوقع منكم، بما لكم من ثقل سياسي واجتماعي، أن تكونوا عاملاً إيجابياً لحقن دماء أبناء وبنات شعبنا. هل يُرضيكم قصف النظام لشعبنا بالطائرات وصواريخ سكود؟ هل يُسرّكم اغتصاب آلاف النساء وقتل مئات الأطفال بالتعذيب حتى الموت؟ هل يُعجبكم أن يعيش السوريون تحت حكم طاغوتي لخمسين عاماً، فإذا قاموا لنيل حريتهم، عوقبوا بالدمار الشامل؟"
إن هذه الأسئلة الملحّة تدفعنا للتفكير بعمق في حجم المسؤولية الأخلاقية التي تتحملونها اليوم. هل من المعقول أن يستمر دعم حزب الله لنظام لطالما اتهم بجرائم ضد الإنسانية، حيث قُتل أكثر من 500 ألف سوري، وفُقد عشرات الآلاف، وتعرضت آلاف النساء للانتهاكات؟ هذه الجتستمر تضع على الحزب عبء التحالف مع نظام مرفوض دولياً ومحلياً، خاصةً مع بروز جهود متزايدة من قوى عالمية لمحاكمة المسؤولين عن الانتهاكات أمام المحاكم الدولية.
وفي ختام رسالته، خاطب الخطيب قادة حزب الله بضمير الإنسانية، قائلاً: "بكل أمانة أقول لكم: إن عشاق الحرية في سوريا لديهم من الشجاعة ما يكفي أهل الأرض، ولكنّ دماء أبنائكم في لبنان لا يجوز أن تُهدَر في قتال أبنائنا المظلومين في سوريا، فهناك من يُسرّ لمرأى الشباب من الطرفين وهم يتساقطون برصاص بعضهم."
السيد نعيم قاسم، هل من صحوة تعيد للحزب بريقه وتبعده عن هذا الطريق المظلم؟ ألا يجدر بكم إعادة تقييم تحالفاتكم، واتخاذ قرار جريء بالانسحاب الكامل من سوريا؟ خطوة شجاعة قد تعيد للحزب روحه الأصيلة وتجعله قريباً من آمال الشعوب، بدلاً من الانجرار خلف تحالفات أضرت بسمعته وأدخلته في صراعات لا طائل منها.
ندعوكم إلى مراجعة دوركم وإعادة تموضع حزب الله كحركة مقاومة تعود بجذورها إلى القيم النبيلة، تلك القيم التي لطالما أضاءت درب أسلافنا. إن مسيرة الحزب نحو تطهير صفوفه من التحالفات المشبوهة والابتعاد عن سياسات أضرت بشعبه ومحيطه ستكون رسالة للعالم بأن حزب الله يسعى للعودة إلى مبادئه الأصيلة، والتي تتلخص في نصرة المستضعفين، لا التحالف مع الظالمين.
ندعوكم إلى صحوة تتجاوز الأهواء السياسية الملوثة، وإلى التمسك بقيم مشتركة سامية تليق بالمبادئ التي دافعت عنها الأمة الإسلامية عبر التاريخ.
د. علاء الدين آل رشي
مدير المركز التعليمي لحقوق الإنسان
مقالات الرأي التي تنشرها المؤسسة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المؤسسة
-------------------------------------------------------------------------------------
الحقوق الفكرية محفوظة لصالح المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2024