بطلان الاتفاقيات والديون الموقعة خلال فترة حكم نظام الأسد في سوريا وفقًا للقانون الدولي
بطلان الاتفاقيات والديون الموقعة خلال فترة حكم نظام الأسد
في سوريا وفقًا للقانون الدولي
المحامي فراس حاج يحيى المستشار القانوني ل زمان الوصل
تشكل الاتفاقيات الدولية والديون التي أبرمها نظام بشار الأسد مع حلفائه، مثل روسيا وإيران، موضوعًا جدليًا في إطار بناء سوريا الجديدة وفي عملية أي تحول سياسي مستقبلي في سوريا. ويثير هذا الأمر تساؤلات قانونية وسياسية حول مدى شرعية هذه الاتفاقيات والديون، وكذلك إمكانية رفض الحكومة الجديدة الالتزام بها استنادًا إلى القانون الدولي واتفاقيات فيينا٫ وهذا ما سوف نناقشه في هذا المقال.
أولاً: بطلان الاتفاقيات التي أبرمها نظام الأسد يمكننا الدفع بهذا الطرح بموجب الأسباب التالية:
- انعدام الشرعية لنظام الأسد:
- فقدان الشرعية الدولية:
- منذ ثورة الشعب السوري عام 2011، يمكن اعتبار نظام بشار الأسد فاقدًا للشرعية الدولية وفق قرارات الأمم المتحدة، لا سيما بيان جنيف لعام 2012 الذي دعا إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي.
- نظام الأسد لا يمثل الشعب السوري، وهو شرط أساسي لاكتساب الشرعية لعقد الاتفاقيات الدولية.
- فقدان السيادة:
- منذ عام 2012 , وحتى هروب بشار الأسد وسقوط نظامه لم يعد يسيطر النظام السوري على كامل الأراضي السورية، حيث كانت تُعد نسبة 40% الى 60% من الأراضي خارج سيطرته، ما يضعف أهليته القانونية للتصرف باسم الدولة.
- بطلان الاتفاقيات وفق القانون الدولي
- الإكراه والتدليس: يمكن الدفع بأن هذه الاتفاقيات أبرمت تحت الإكراه العسكري والاحتلال الروسي والإيراني، مما يُعد انتهاكًا للمادة 52 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969.
- مخالفة القانون الداخلي:
- الاتفاقيات تتعارض مع الدستور السوري لعام 2012 الذي يمنع التنازل عن السيادة الوطنية دون موافقة مجلس الشعب.
- عدم عرض هذه الاتفاقيات على مجلس الشعب السوري لمناقشتها وإقرارها والتصديق عليها يجعلها باطلة داخليًا ودوليًا.
- حق الشعب السوري في تقرير المصير
- الشرعية الثورية: الثورة السورية تمنح الشعب السوري الحق في إلغاء أي اتفاقية تمثل استغلالًا لموارده أو انتهاكًا لسيادته.
- القرارات الدولية: القرارات الأممية تدعم حق الشعوب في تغيير أنظمتها السياسية وإعادة التفاوض على التزاماتها الدولية.
- سوابق قانونية مشابهة
- الثورة الروسية 1917: ألغى الاتحاد السوفييتي اتفاقيات القيصر.
- الثورة الإيرانية 1979: ألغى النظام الجديد في إيران اتفاقيات الشاه.
- الثورة الصينية 1949: رفض النظام الجديد الالتزام باتفاقيات الحكومة السابقة.
- اتفاقيات فيينا كأساس قانوني
- المادة 46: الاتفاقية باطلة إذا خرقت قانونًا داخليًا جوهريًا.
- المادة 52: الاتفاقيات المبرمة بالإكراه أو التهديد تُعتبر باطلة.
- المادة 49: الاتفاقيات الناتجة عن تدليس أو غش يمكن إلغاؤها.
ثانياً: الديون الكريهة وخلافة الدول:
في الجانب المتعلق بالديون الروسية والإيرانية التي اقترضها نظام الأسد لاستخدامها في تمويل آلته العسكرية ضد الشعب السوري هناك مبدأين يمكن الدفع بهما لإثبات عدم التزام الحكم الجديد بهذه الديون.
- مبدأ "الديون الكريهة"
- تعريف الديون الكريهة:
- هي الديون التي أُخذت من قبل نظام استبدادي أو غير شرعي ولم تُستخدم لصالح الشعب، بل لتحقيق مصالح النظام أو قمع الشعب.
- شروط تطبيق المبدأ:
- النظام غير شرعي: نظام الأسد فقد شرعيته بعد الثورة السورية.
- عدم استفادة الشعب: الديون استُخدمت لتمويل القمع أو تعزيز سلطة النظام.
- علم المقرضين: إذا كانت الجهات المانحة تعلم أن الأموال لن تفيد الشعب، يمكن إسقاط هذه الديون.
- السند القانوني:
- قضية الديون الكوبية (1927): رفضت كوبا دفع ديون أبرمها النظام الاستعماري الإسباني.
- مبدأ خلافة الدول
- تعريف المبدأ:
- يتيح مبدأ خلافة الدول للحكومة الجديدة رفض أو قبول الالتزامات السابقة وفقًا للوضع السياسي والقانوني.
- أنواع الخلافة:
- رفض الالتزام بالديون:
- يحدث في حالات التغيير الثوري أو إذا كانت الديون تخدم مصالح النظام السابق فقط.
- أمثلة:
- الثورة الروسية 1917: رفض ديون القيصر.
- الثورة الإيرانية 1979: رفض ديون الشاه.
- الالتزام بالديون:
- يتم ذلك إذا كانت الديون قد استفاد منها الشعب فعليًا.
- رفض الالتزام بالديون:
- الوضع السوري
- طبيعة النظام الجديد:
- يمكن اعتبار النظام الجديد في سوريا يشكل قطيعة قانونية وسياسية مع حقبة نظام الأسد وليس امتداداً له مطلقاً
- ديون لا تخدم الشعب:
- معظم ديون النظام السوري يمكن اعتبارها "ديونًا كريهة" لأنها استُخدمت لدعم النظام وقمع الشعب.
- الخيارات القانونية للحكومة الجديدة
- إثبات الطابع الكريه للديون:
- جمع الأدلة على استخدام الديون في القمع.
- المطالبة بإسقاطها أمام الهيئات الدولية أو التفاوض مع الدائنين.
- التفاوض لإعادة الهيكلة أو الإلغاء:
- يمكن التفاوض مع الدول الدائنة مثل روسيا وإيران لإعادة هيكلة أو إلغاء الديون.
- العوائق والتحديات: أبرز هذه العوائق :
- الضغوط السياسية: حيث قد تمارس الدول الدائنة ضغوطًا دبلوماسية لإجبار النظام الجديد على السداد.
- القانون الدولي غير الحاسم: لا يوجد نص قانوني موحد بشأن مبدأ "الديون الكريهة".
ختاماً: بموجب القانون الدولي، يملك النظام الجديد في سوريا الأسس القانونية لرفض الالتزام بالاتفاقيات والديون التي أبرمها نظام بشار الأسد. يستند ذلك إلى فقدان شرعية النظام، بطلان الاتفاقيات بسبب الإكراه ومخالفة القوانين الداخلية، وحق الشعب السوري في تقرير مصيره. إضافة إلى ذلك، يمكن للنظام الجديد الاستناد إلى مبدأ "الديون الكريهة" وخلافة الدول لإسقاط الديون التي استُخدمت في قمع الشعب السوري أو استنزاف موارده. ومع ذلك، يبقى النجاح في ذلك مرهونًا بالقدرة على مواجهة الضغوط السياسية والدبلوماسية، وتقديم قضية قوية أمام المحافل الدولية.
__________________________________________________________________
(للاطلاع على التقرير كملف pdf يُرجى تحميل الملف المُرفق أسفل الصفحة)
---------------------------------------------------------------------------------------
الحقوق الفكرية محفوظة لصالح المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2025