تركيا والمواجهة الحتمية في سوريا
الكاتب: حمود عبد العزيز الكروم
تاريخ النشر: 2020/02/12
يقول المثل: عدو جدك ما يودك.
لكل بداية نهاية، وقد طال شهر العسل الروسي التركي، وقد طال كثيرا ولابد له من نهاية، للأسف لن تكون النهاية إلا الحرب.
مقومات الحرب أكثر من مقومات التفاهمات، فالدوافع التاريخية والدوافع الاستراتيجية كلها مهيأة لإمكانية نشوب حرب بينهما. ولكن هذه الحرب مؤجلة حاليا بسبب المصالح الاقتصادية الكبرى بينهما، كذلك الحاجة الروسية لتركيا في حلحلة أمورها العالقة في سوريا. كما أن الموقع الجيوسياسي والعسكري لتركيا يجعلها بيضة القبان في المعادلة الدوليّة بين قطبي العالم؛ الولايات المتحدة الأمريكية من جهة وروسيا من جهة أخرى، ومازالت تركيا تضع قَدمًا هنا والأخرى هناك. ومازال كلا القطبين يخطبان ودها، روسيا بخبث والولايات المتحدة بمكر ودهاء، والمكر الأمريكي والخوف التركي من مطباته فسح المجال لروسيا لابتزاز تركيا والضغط عليها مما جعلها تتنازل شيئا فشيئا عن أمور استراتيجية في سوريا، بل وتطاولت روسيا أكثر من مرة على تركيا واعتدت عليها، وعلى قواتها العسكرية المتواجدة ضمن الأراضي السورية.
استهدفت قوات نظام الأسد النقطة التركية الثامنة في شير مغار عدة مرات، أسفرت عن سقوط /4/ ضحايا من الجيش التركي وعدد من الجرحى، وكذلك النقطة الثامنة في مورك؛ وكلا النقطتين بريف حماة. كما استهدفت قواته محيط النقطة السابعة في الصرمان بريف إدلب، ولم يكتفِ الروس بذلك بل حاصروا لها أربعة نقاط (مورك والصرمان ومعر حطاط وخان طومان ومؤخرا أربع نقاط في محيط سراقب) وحين تقدمت قوات "نظام أسد" باتجاه نقاط المراقبة التركية في محيط سراقب ردت تركيا على هذا التقدم ولكنه كان ردا باردا وغير حاسمٍ. ومازالت هذه النقاط تقع ضمن المناطق التي سيطر النظام عليها حتى تاريخ كتابة هذه السطور. بل أكثر من ذلك؛ الاعتداء على الرتل التركي بالطيران الحربي والحربي الرشاش، في مدينة معرة النعمان أسفر عن ضحية وعدد من الجرحى من مرافقة الرتل، وإلحاق أضرار مادية في بعض السيارات التي تقلّ الجيش التركي؛ وإجبار الرتل على التوقف في قرية معر حطاط ولم يتم السماح له بالتقدم، حتى الآن.
كذلك فالروس لم يلتزموا باتفاقات آستانا وسوتشي، مما سبب الكثير من الحرج للدولة التركية كونها الضامن لمنطقة خفض التصعيد الرابعة.
كذلك دخول "قوات أسد" إلى مناطق حدودية لم يكن يحلم بها دخلها بدون ولا طلقة واحدة في شمال شرق سوريا، نتيجة اتفاق سوتشي في شهر كانون الأول / أكتوبر 2019م بخصوص عملية نبع السلام، وقد خدعت روسيا تركيا في هذه الاتفاقية ومنعتها من الوصول إلى كامل الشريط الحدودي مع سوريا بعمق 32 كم، ولم تنفذ روسيا أي بند من بنود الاتفاق، بل أوصلت روسيا الميليشيات الإيرانية وقوات النظام إلى عين العرب، وفي ذات الوقت منعت روسيا تركيا من وصل منطقة نبع السلام مع منطقة درع الفرات.
كذلك في شمال غرب سوريا نقضت روسيا الكثير من الاتفاقيات وأهمها آستانا وسوتشي من حيث انتشار قوات كل طرف في منطقة خفض التصعيد، وبقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يُعوّل على العلاقة الشخصية التي تجمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولكن التحركات الروسية خرقت كل الاتفاقيات والتصورات في هجومها الأخير على المنطقة واستخدامها قوة نارية من شأنها أن تُسقط دول قائمة بذاتها، والتي أدت إلى السيطرة على ريف حماه الشمالي وإدلب الجنوبي بما فيها مدينة معرة النعمان ذات الرمزية التاريخية والثورية في سوريا، ورغم التحذيرات الأممية لروسيا بوقف هجماتها على إدلب التي تسببت بمقتل مالا يقل عن /6000/ مدني ونزوح وتهجير أكثر من مليون شخص منذ بداية الهجمة في نيسان /ابريل عام 2019م، هاموا على وجوههم في بلاد لا مأوى يقيهم شدة البرد، بل وأكثر من ذلك تم استهداف نقطة معر حطاط ما تسبب بمقتل عنصرين من الجانب التركي في شهر أيول / سبتمبر من العام المنصرم، ضاربا بوتين بعرض الحائط الأعراف والتقاليد الدولية، ومتجاهلا كل ما تم الاتفاق عليه في أستانا وسوتشي والتي تعتبر بموجبهما النقاط التركية هي الحدود الفاصلة بين مناطق سيطرة الفصائل وقوات نظام الأسد.
وبرغم ذلك تماهت تركيا مع سطوة روسيا في تعاملها في إدلب، وأخيرا قامت روسيا بالإيعاز لنظام أسد باستهداف النقطة التركية المستحدثة في الترنبة شرق مدينة إدلب بمدفعيتها الثقيلة والتي أسفرت عن سقوط ثمانية ضحايا من الجيش التركي.
كل هذه التصرفات الروسية المبيّتة ترمي إلى إخضاع تركيا للإملاءات الروسية وسلخها عن حليفها الاستراتيجي الناتو والولايات المتحدة الأمريكية وتجعل قرارها مرتهنا بنزوات الرئيس بوتين. كما تكشف بطريقة أو بأخرى عن حجم الهوّة بينهما رغم خمس سنوات من التفاوض والتفاهمات بينهما والزيارات المكوكية عدا الاتصالات الهاتفية، ناسفة بذلك كل التصريحات التركية التي تعبر أن أمن أنقرة من أمن إدلب، ورغم اتساع الهوّة بينهما (روسيا ـ تركيا) إلا أن تركيا لم تكن تسمح للولايات المتحدة بملء هذه الهوّة فتركيا لُدغت كثيرا من الولايات المتحدة التي تشترط عليها إلغاء صفقة الصواريخ إس 400 رغم التصريحات الأمريكية التي تقول بدعمها الجهود التركية في إدلب، لكن حادثة إسقاط الطائرة الروسية بواسطة تركيا مازالت عالقة في أذهان القيادة التركية، حين تخلت عنها هي وحلف الناتو، ورغم البحث لسنوات عن أرضية مشتركة بين الروس والأتراك وتحميل القيادة التركية للنظام السوري لكل ما يجري من خروقات لعشرات الهدن الصُورية، متحاشيا ذكر روسيا ولو لمرة واحدة، إلا أن تركيا في الفترة الأخيرة بدت أنها ذاهبة في طريق التشدد ضد روسيا. وحين استشعرت روسيا ذلك بدأت بالهجوم السياسي على تركيا حيث نشرت الوكالة الروسية الرسمية (تاس) أن تركيا هي من صنعت جبهة النصرة (الذراع السوري) لتنظيم القاعدة ردا على تصريحات الرئيس التركي أردوغان (أن روسا لا تلتزم باتفاقات خفض التصعيد التي وعدت بالتمسك بها في محافظة إدلب، لم يعد هنالك عملية آستانا، فقدنا صبرنا في إدلب، إن لم تتوقف روسيا عن استهداف المدنيين في إدلب سنتخذ الخطوات اللازمة هذا الانتقاد التركي العلني يعني أن الخيارات التركية قد نفذت).
ورغم قيام تركيا بإرسال أكثر من 150 مدرعة ودبابة في محيط مدينة سراقب وتطويقها من الجهات الأربعة لمنع تقدم الميليشيات الروسية والإيرانية وقوات أسد إليها إلا أنها فشلت في ذلك وتمكنت هذه القوات من دخول المدينة.
لكن السؤال إلى أي نقطة من الممكن أن تذهب أنقرة في هذا الطريق فلعبة عض الأصابع لم تعُد مجدية لها، لأنها الأضعف عسكريا وسياسيا فأي تصعيد عسكري تركي في سوريا، يمكن لسوريا أن تستغله بالتعاون مع روسيا والصين وإحالة الملف التركي إلى مجلس الأمن وبالتالي إخراجها من سوريا لأن وجودها غير شرعي هناك. فهي أدخلت قواتها إلى سوريا بموجب اتفاق آستانا وهذا الاتفاق غير مُلزم دوليا لسوريا، وهو اتفاق ثنائي لم يكتسب التأييد وصيغة التنفيذ الدولي لأنه لم يحظى باعتماد مجلس الأمن.
عائق آخر أمام الدعم الأمريكي والناتو لتركيا، هو التبرير المستمر لروسيا بأنها تحارب الإرهاب في إدلب، وإن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) مصنفة منظمة إرهابية لدى الولايات المتحدة الأمريكية، ومازالت متواجدة في إدلب، والتصريحات الأخيرة للمبعوث الأمريكي جيمس جيفري والذي حاول إظهار جبهة النصرة على أنها لا تحارب سوى الأسد هي خطوة للأمام في التصدي للهجمة الروسية على إدلب. وفي الأيام الأخيرة قام الرئيس التركي بإعلان حرب على سوريا من خلال إعطاء النظام السوري عدد من المُهل، مُهلة انتهت يوم الجمعة 7 شباط 2020م لكي تتراجع قوات النظام عن النقاط التركية المحاصرة، ومُهلة تنتهي بنهاية شهر شباط الحالي بأن تتراجع هذه الميليشيات إلى خلف النقاط التركية المنتشرة في محيط منطقة خفض التصعيد الرابعة أي إلى ما قبل الحملة الأخيرة التي بدأت في نيسان / أبريل عام 2019.
فهل ستفعلها تركيا وتكون بحجم الدول المؤثرة إقليميا وذات قرار في كل ما يجري في محيطها كدولة فاعلة في منطقة الشرق الأوسط وتستغل موقعها الجغرافي والسياسي وبُعدها الديني كوريثة للخلافة العثمانية. وتوقف خط الغاز الروسي المسال عبر أراضيها وتُلغي صفقة صواريخ إس 400 وتتدخل عسكريا في سوريا. بعد خيانة وخداع الروس لها.
أم أنها ستلجأ للولايات المتحدة الأمريكية للضغط على روسيا سياسيا وعسكريا من خلال عضويتها في حلف الناتو.
أم أنها ستكتفي بالتصريحات، وبذلك تكون قد فقدت هيبتها، أمام الغطرسة الروسية، وأمام شعبها والمحيط العربي.
فتح الطريق أمام اللاجئين السوريين (من إدلب إلى برلين) وإرسال عدة دفعات وعلى نفقتها الخاصة إلى أوربا، لكي يعلموا أن هؤلاء الناس لم يبق لهم سوى إدلب ولن يستطيعوا التعايش مع الروس والنظام الأسدي.
أرجح الخيار الأول إن فكرت بعقل، فإن تركتهم فإنهم لن يتركوها تعيش بأمن وسلام، فالرئيس التركي ليس أمام خيار صعب.
مقالات الرأي التي تنشرها المؤسسة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي المؤسسة.
(للاطلاع على المقالة كملف pdf يُرجى تحميل الملف المُرفق أسفل الصفحة)
-------------------------------------------------------------------------------------
الحقوق الفكرية محفوظة لصالح المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2020