حرب موسكو في سوريا
حرب موسكو في سوريا
نشر حديثا مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية على موقعه تقريرا تحت عنوان:
"حرب موسكو في سوريا"
تحرير سيث جي. جونز، المستشار لدى المعهد.
وفي يلي ترجمة لموجز البحث كما جاء في مقدمة التقرير
المترجم: معين جاد آل حمصي
تاريخ النشر: 2020/07/20 م
موجز البحث:
يدرس هذا التقرير الحملة العسكرية والسياسية الروسية في سوريا التي تشكل أكبر وأهم عملية روسية خارج المنطقة منذ نهاية الحرب الباردة.
سوف تشكل التجربة الروسية في سوريا إلى حدّ كبير تفكير روسيا العسكري، كما ستؤثر على القرارات المتعلقة بالأفراد وترقيتهم، وعلى البحث والتطوير في مجال الصناعة العسكرية الروسية، إضافة إلى أنها ستزيد على المدى المنظور من تأثير روسيا في منطقة الشرق الأوسط وخارجه.
رغم أهمية انخراط روسيا في سوريا- خصوصا أن الولايات المتحدة الأمريكية تنافس بلدانا مثل روسيا والصين- لا يتوفر إلا القليل من البحث المنهجي للحملة الروسية في سوريا.
يهدف هذا البحث إلى المساعدة في ملء الفراغ وتقديم شيء من التحليل الجديد والبيانات. يجري البحث تقييما واسعا للحملة الروسية بما في ذلك المبادرات الديبلوماسية واستهداف المدنيين؛ واضعا بهذا الحملة العسكرية ضمن سياق أوسع، كما يجمع التقرير أيضا مجموعة بيانات عن استهداف روسيا للمدنيين ويحلل صور الأقمار الاصطناعية للأنشطة الروسية.
خدم بعض من كتاب التقرير في وزارة الدفاع الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية في أثناء الحملة، ويقدمون هنا رؤية هامة من واقع خبرتهم المباشرة.
في المجمل، ينتهي التقرير إلى أن روسيا نجحت في تحقيق أهدافها السياسية والعسكرية القريبة الرئيسية في سوريا، بما في ذلك الحيلولة دون انهيار نظام الأسد (شريك إقليمي هام)، وإحباط محاولة أمريكية محتملة للإطاحة بالأسد.
يمكن توزيع الاستنتاجات الرئيسة للتقرير على خمس مجالات: الأهداف والاستراتيجية الروسية، والحملة العسكرية، والحملة العقابية، والحملة السياسية، والدروس الأشمل.
الأهداف والاستراتيجية الروسية:
تدخلت روسيا في سوريا بشكل مباشر أوائل عام 2015 لسببين:
الأول: أراد القادة الروس أن تستقر سوريا، التي تشكل مركزا استراتيجيا هاما لموسكو في الشرق الأوسط كان تحت التهديد.
الثاني: قدّر القادة الروس أن الولايات المتحدة وحلفاءها كانوا يحاولون إسقاط نظام الأسد وكانوا إما يحاولون استبداله بحكومة موالية أو يتركوا وراءهم دولة منهارة.
هذا السببان لا يكفيان لتوضيح التدخل الروسي. كان قرار موسكو متأثرا لحد كبير بقدرتها على تأسيس استراتيجية عسكرية قادرة على الاستمرار بتكلفة مقبولة. خاطرت موسكو مخاطرة كبيرة بانخراطها المباشر في سوريا. تبنت موسكو استراتيجية تجمع القوة الجوية مع المناورة الأرضية لتتغلب على عدو مشرذم.
عوضا عن نشر أعداد كبيرة من القوات العسكرية الروسية لتشارك في الحرب على الأرض في سوريا- كما فعل الاتحاد السوفياتي في أفغانستان في الثمانينيات- اعتمدت روسيا على قوات الجيش السوري وحزب الله اللبناني وميليشيات ومقاولين عسكريين سريين كعناصر أساسية في المناورات الأرضية. دعمت القوة الجوية والبحرية الروسية تلك القوات عن طريق شنّ غارات من الطائرات ثابتة الأجنحة والمروحية والسفن والغواصات.
الحملة العسكرية:
نجحت الحملة العسكرية الروسية في سوريا في تحقيق أهداف موسكو الاستراتيجية بتكلفة يمكن تدبرها على مستوى الخسائر الروسية والتمويل، كما استفادت الجهود الروسية من محدودية الأهداف ومن مواجهة مجموعات ثورية فشلت في تنسيق أنشطتها وافتقرت إلى وسائل دفاعية أساسية، مثل السلاح المضاد للطيران.
انسجمت العمليات والتكتيكات الروسية جيدا مع أهدافها الاستراتيجية، فركزت على القوة الجوية وقوات العمليات الخاصة لتساعد النظام من الهجوم على الأرض، وفي أثناء سير الحرب، طورت روسيا تدريجيا تلاحمها الجوي- الأرضي مع القوات الموالية للنظام.
يمكن تقسيم التدخل العسكري الروسي في سوريا إلى ثلاث حملات مرحلية ركزت على أهداف مختلفة لكنها مترابطة: تثبيت نظام الأسد في المناطق الحيوية في غرب سوريا (سبتمبر 2015- ربيع 2016)؛ القيام بعمليات هجومية في الغرب لإعادة السيطرة على حلب (ربيع 2016- ربيع 2017)؛ مواجهة الدولة الإسلامية في وسط وشرق سوريا (ربيع 2917- ربيع 2018).
حولت روسيا من ثمّ انتباهها نحو إعادة السيطرة على محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، ووسعت وجودها في شمال شرق سوريا عشية تخفيض الوجود الأمريكي واجتياح تركيا للمنطقة.
رغم أن المساهمة الروسية الأساسية طوال مراحل الحملة اقتصرت على القوة الجوية، عجّلت مقتضيات أرض المعركة من الزيادة المستمرة في القوات الأرضية الخاصة، بما في ذلك وحدات المدفعية، والمراقبين الجويين الأماميين، وقوات العمليات الخاصة، والشرطة العسكرية، والمقاولين العسكريين السريين. اتخذ الجيش الروسي القاعدة الجوية الواسعة في حميميم مركزا لهيئة قيادته ومعظم أصوله الجوية، واستمر يعزز أصوله الجوية والأرضية في قواعد جديدة في أثناء مسيرة الحرب.
الحملة العقابية:
وفقا للبيانات التي جمعها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية لأجل هذا التقرير، استخدمت روسيا حملة عقابية ممنهجة لتزيد من الأثمان على المدنيين وتقليل الدعم للمعارضة.
العنصر الأوضح في هذه الحملة العقابية كان الهجمات واسعة النطاق ضد المدنيين والمرافق الإنسانية الأساسية في محاولة لحرمان المعارضة من الإمدادات، بما في ذلك الطعام والوقود والمساعدات الطبية؛ ولتنخر في الوقت ذاته في إرادة المدنيين دعم مجموعات المعارضة.
قامت روسيا أيضا بحملة دعائية مستخدمة الدبلوماسية والتضليل الإعلامي معا في استهداف المدنيين السوريين.
حاولت الحملة الدعائية الحؤول دون لوم الهجومات الروسية والسورية ضد المرافق الإنسانية الأساسية، وإفساد الجهود الدولية في تحميل نظام الأسد مسؤولية الانتهاكات، وشرعنة شبكة الأهداف المدنية دائمة التوسع.
مع الوقت، صارت هذه الحملات متضافرة ومتآزرة وتأثيراتها تكمل بعضها بعضا في سبيل تحقيق أهداف النظام مثل إعادة السيطرة على المناطق التي بيد المعارضة.
الحملة الدبلوماسية:
نظمت موسكو حملة دبلوماسية فعّالة تكمل جهود روسيا العسكرية. نسقت روسيا جهودها السياسية والعسكرية بشكل جيد لتسهِّل تحقيق مكاسب على الأرض ولتبلغ الحد الأقصى في رافعة القدرة والتأثير على طاولة المفاوضات الدولية.
في حين فاوضت وزارة الخارجية الروسية على وقف النار واتفاقيات خفض التصعيد في جنيف وأستانا؛ استغلت وزارة الدفاع هذه المفاوضات لتعيد ترتيب وتجهيز القوات المؤيدة للنظام؛ ثم تخرق تلك الاتفاقيات عندما يتيسر ذلك. صحيح أن جهود روسيا الدبلوماسية والعسكرية لم تكن دائما متضافرة بشكل تام، لكنها كانت أفضل تنسيقا من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الأخرى؛ وهذا ما منح موسكو قدرة ربط مكاسب ساحة المعركة بالرافعة الدبلوماسية.
الدروس:
سيأخذ الأمر سنوات لندرك تماما الدروس الممكنة من تورط روسيا في سوريا.
الحرب بعيدة من نهايتها، وسوريا مجرد حملة واحدة في المشهد الروسي الاستراتيجي والعسكري، لكن يوجد ملاحظات عامة عن التفكير والفعل الروسي:
- تبنت روسيا مسار البصمة الخفيفة (أو الأثر الخفيف) في سوريا؛ المسار الذي شكل تطورا في التفكير العسكري الروسي بدل ممارسة البطش والتعسف؛ استثمرت روسيا في الأصول الجوية، والطائرات بدون طيارين، والوحدات المدنية- العسكرية (مثل الشرطة العسكرية ومراكز المصالحات)، وقوات العمليات الخاصة، والموارد المعلوماتية.
فيما يتعلق بالعمليات الأرضية، اعتمدت موسكو على القوات البديلة مثل قوات النمر السورية، وحزب الله اللبناني، ومقاولين عسكريين سريين، وميليشيات من العراق وأفغانستان وباكستان وبلاد غيرها. شكل هذا المسار تطورا رئيسا في العسكرية الروسية.
- يحتمل جدا أن تبني روسيا على تجربتها السورية عند تقييم العمليات العسكرية الخارجية في افريقيا وآسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. حين تكون القوات البرية خيارا، فالاحتمال الأكبر أن تعتمد روسيا على قوات العمليات الخاصة الروسية، وعلى القوى الوكيلة سواء كانت تابعة لدولة أم لم تكن، وعلى المقاولين العسكريين السريين.
- لا يزال معاقبة المدنيين جزءا هاما من العمليات العسكرية الروسية. حاولت روسيا حرمان الثوار من الغذاء والوقود والمساعدة الطبية وكانت في الوقت ذاته تحتّ في إرادة المدنيين القتال أو دعمهم مجموعات المعارضة. استنتج القادة الروس أن العقوبات كانت فعالة في كسر إرادة السكان المحليين ودعمهم مجموعات المعارضة.
- كان التدخل الروسي في سوريا فرصة لتحديث القدرات القتالية الروسية واستخدام سوريا ميدانا للتدريب بالذخيرة الحية لتحسن باستمرار استعمالها القوة. قد يكون الدرس الأكثر أهمية في المجال التقني هو تطوير روسيا للقيادة والسيطرة والاتصالات المتقدمة؛ وأنظمة التجسس الميدانية (C31) في أرض المعركة، والتي تزود ببيانات تمكِّن من ضربات جوية أعلى أداء وقدرة. تم دمج هذه الأنظمة مع الأنظمة الشاملة الروسية من "منظومات الاستطلاع والقصف" (RSCs).
- تبدل روسيا باستمرار القادة من المستوى المتوسط إلى المتقدم في أرض العمليات السورية. يتلقى الضباط الروس تجربة غنية على الأرض في حقلي الاستشارة أو القيادة، الأمر الذي لا بد أن يؤثر في قرارات المستخدمين الروس وتفكيرهم على مدى السنوات القادمة.
هناك دروس إضافية للولايات المتحدة والدول الغربية من الحملة الروسية في سوريا:
- في العموم راعت روسيا القوة العسكرية الأمريكية وضمنت سلامة قواتها، ملتزمة بالتوجيهات الأمريكية حول خطوط عدم الاشتباك حين تم تأكيد هذه التوجيهات باستعراض القوة. مع هذا، عندما كانت الولايات المتحدة غير قادرة أو غير راغبة في دعم تلك التوجيهات فغالبا ما استغلت روسيا هذه الفجوة.
- فشلت الولايات المتحدة في منع روسيا وشركائها من ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
إذا أرادت الولايات المتحدة منع روسيا من القيام بمثل هذه الانتهاكات في المستقبل عن طريق الإجراءات الدبلوماسية أو الاقتصادية أو العسكرية، يجب على أمريكا أن تعلن الخطوط الحمر بوضوح وأن تكون مستعدة لتواصل تهديداتها.
- في حين كانت الجهود السياسية والديبلوماسية الروسية متناغمة لحدٍّ جيد نوعا ما مع عملياتها العسكرية، كانت السياسة الأمريكية وأفعالها في سوريا مليئة بالمتناقضات. استغلت روسيا في أثناء مناوراتها الدبلوماسية التصدعات ونقاط الضعف بين الولايات المتحدة البلدان الغربية والولايات المتحدة، كما بين وداخل دوائر الحكومة الأمريكية.
تشكل الحملة الروسية في سوريا فرصة هامة لفهم استراتيجية روسيا وعملياتها وتكتيكاتها. صحيح أنها حملة واحدة في ظرف زمني معين. لكن التحدي على المدى البعيد هو تقييم التطور في التفكير والتصرفات الروسية عبر الوقت وفي مناطق جغرافية متعددة.
للاطلاع على البحث الأصلي باللغة الإنكليزية اضغط هنا
(للاطلاع على التقرير المترجم كملف pdf يُرجى تحميل الملف المُرفق أسفل الصفحة)
---------------------------------------------------------------------------------------
الحقوق الفكرية محفوظة لصالح المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2020