العشيرة شرق سوريا بين الفعل الاجتماعي والاستثمار السياسي
العشيرة شرق سوريا بين الفعل الاجتماعي والاستثمار السياسي
إعداد: الكاتب الصحفي فراس علاوي
تاريخ النشر: 2020/11/09 م
مقدمة:
تنظر جميع القوى المتداخلة بالشأن السوري خاصة تلك التي تتواجد بشكل مباشر على الأرض إلى المنطقة الشرقية من سوريا (محافظات دير الزور- الرقة- الحسكة) نظرة تكاد تكون متطابقة، وتشبه إلى حد ما الصورة النمطية التي رسمها نظام الأسد عنها في مخيلة السوريين، هذه النظرة تقوم على أن المنطقة تحكمها السلطة العشائرية بصورة مطلقة وتتحكم بجميع أدواتها الاجتماعية ومقدراتها الفكرية والثقافية، هذه الصورة تشبه إلى حد ما حقيقة هذه السلطة التي مارستها القبيلة أو العشيرة حتى سبعينيات القرن الماضي، إذ كانت مشيخة العشيرة تملك السلطة الاجتماعية المدعومة بقوة العرف وبقوة أخلاقية تقوم على احترام بيت المشيخة والانصياع لمخرجات قراراته.
كان لشيوخ من أمثال خليل العبود الجدعان الهفل ووالده، وفيصل النجرس ووالده، وعبدالعزيز داوود الحمادة ووالده، ونواف راغب البشير ووالده، ودحام الدندل وابنه أيمن، وغيرهم الكثير من شيوخ ووجهاء العشائر والأسر دور كبير في الحياة الاجتماعية، والتي كانت في الغالب تقوم على نظرية لا غالب ولا مغلوب في الخلافات البينية داخل العشيرة أو مع العشائر الأخرى، كان الدور الحقيقي لبيت المشيخة هو عملية إطفاء الحرائق عبر ممارسة سلطاتها الاجتماعية، لكن وبتطور الحياة السياسية ودخول لاعبين جدد على الحياة الاجتماعية نالوا مراكز سياسية واجتماعية نافست في حضورها بيت المشيخة، ونتيجة لسياسات نظام الأسد التي عملت على الاستثمار في بيت المشيخة من خلال دعم الانقسام داخله عبر افتعال تنافس سياسي بات محصوراً في إمكانية الوصول لكرسي في مجلس الشعب أو منصب سياسي ثانوي غالباً؛ إذ كانت السلطة في سوريا دوماً ما تغلب علاقة التبعية لها على باقي العلاقات الأخرى، مع محاولة حصر الفاعلية السياسية للعشيرة بأشخاص وليس بالعشيرة كمكون كما سيحدث لاحقاً حين أصبح للقبيلة أو العشيرة دور واضح وفاعلية في المتغيرات التي لحقت بمناطق نفوذها، لذلك نرى النظام السوري اعتمد على أشخاص لا ينتمون لبيوت المشيخة ولا يملكون المقومات الاجتماعية اللازمة ولا حتى المهنية ووضعهم في أماكن معينة من السلطة كنوع من المنافسة مع بيوت المشيخة في عملية تحدٍّ واضح لهذه البيوت، هذا التنافس والذي عمل النظام السوري على تدويره وبالتالي الاستفادة من شكل المنافسة وحدتها أفقد القبيلة أحد عناصر قوة بيت المشيخة فيها، وهو التوحد والتعاون وحولها لعملية تنافسية تتجدد في كل دورة (برلمانية) ساهم في تراجع دور القبيلة، وهنا الحديث عن بيت المشيخة أيضاً، وعدد من المتغيرات الاقتصادية والسياسية، وظهور فئات جديدة في المجتمع تعتمد في قوتها على دعم السلطة لها، وهو إحدى مناورات السلطة لتحجيم دور العشيرة كمكون اجتماعي، ومع ذلك حافظت العشيرة نوعاً ما على قوة دورها الاجتماعي وإن خفتت سلطتها العُرفية وقوتها الأخلاقية التي كانت أبرز أدواتها نتيجة للمنافسة التي حصلت مع مراكز القوى الجديدة.
بالرغم من أن المنطلقات التي كان حزب البعث يتغنى بها بوصفه حزبًا اشتراكيًّا يحمل رؤى يسارية تتعارض مع فكرة العشائرية والقبلية والطائفية، إلا أنه في حقيقة الأمر بنى شبكة من التحالفات مع كثير من شيوخ ووجهاء العشائر مستخدماً أساليب كثيرة تراوحت ما بين الترغيب والترهيب، متبعاً سياسة مداورة الحظوة والتقارب مع السلطة، وكان للعلاقات المتوترة مع العراق والأردن دورا كبيرا في تحديد سياقات وشكل هذه العلاقات التي كانت تشهد مدًّا وجزرًا حسب تلك العلاقة.
تقع بعض الدول بأخطاء في تعاملها مع ملف العشائر السوري انطلاقا من تجربتها في العراق، إذ يوجد اختلاف كبير في نمط وطبيعة كلا التجربتين، فالعشائر العراقية لاتزال أكثر تماسكاً وأكثر مركزية، إذ لايزال هناك دور بارز لشيخ العشيرة في العراق، هذا الدور يظهر بصورة أقل تأثيراً في سوريا، ويعود ذلك لعدة أسباب تتعلق بطبيعة المجتمع العراقي والتنافس المجتمعي فيه من جهة، سواء بين العشائر والقبائل أو بكون القبيلة حاملًا سياسيًّا ودينيًّا، وطبيعة السلطة فيه والتي دعمت التشاركية مع العشائر وأعطت شيوخ العشائر خاصة في فترة حكم البعث العراقي دوراً هاماً، لهذا فالمقاربة بين شكل العلاقات العشائرية في سوريا والعراق وسلطة العشيرة، يظلم النموذج السوري الأقل مركزية من النموذج العراقي.
كذلك كان تأثير التحول الحضري والانتقال من حياة الريف للمدينة، وتمدين بعض الأرياف ولو بشكل جزئي ودخول الأحزاب السياسية خاصة اليسارية منها دور كبير في تراجع سلطة وتأثير بيت المشيخة، وبالتالي انحسار دورها في مناطق خارج أماكن نفوذها الاجتماعي، إذ حافظ شخوص بيت المشيخة على صورتهم أمام أبناء عشائرهم وعلى حضورهم الاجتماعي والاحترام الذي كانوا يعاملون به، لكنهم بذات الوقت بدؤوا يفقدون كثيراً من نفوذهم وتأثيرهم على حواضنهم الأساسية، خاصة تلك البعيدة عن نفوذهم المباشر.
أولا: الثورة والعشائر:
بعد انطلاق الثورة السورية شهدت العشائر عدة انقسامات سواء بشكل عمودي عبر الانحيازات الواضحة لأحد طرفي الصراع، أو أفقي عبر انقسام بيت المشيخة على نفسه بين مؤيد لسلطة النظام ومنخرط في الثورة مع تفضيل الكثير منهم البقاء على الحياد والبقاء في المنطقة الرمادية، حيث وجد الكثيرون أنفسهم أمام وقائع جديدة ومراكز قوى بدأت بالتشكل تتمثل بالقوى العسكرية والسياسية التي فرضتها طبيعة الصراع، خاصة بعد التحول الذي طرأ على الثورة وانتقالها للشكل المسلح، وبالرغم من أن معظم تشكيلات أو فصائل الثورة المسلحة اعتمدت على العشيرة كمكون بشري إلا أنها لم تعتمد عليها كبيت مشيخة بل كعنصر بشري، الأمر الذي تسبب بظهور عناصر جديدة فاعلة في المنطقة تتمثل بقيادات عسكرية تقود الفصائل معظمها من منبت بعيد عن بيت المشيخة، وبالرغم من ظهور هذه القوى إلا أنها أي (الفصائل المسلحة) احترمت خيارات مشيخة القبيلة بشكل عام، بالرغم من وجود بعض التجاوزات، حيث حدثت بعض الاحتكاكات بين القوى العسكرية على أساس عشائري، لكن تم تجاوزها سريعاً كالخلاف بين البكير والبوجامل، والخلاف بين القرعان والمشاهدة في القورية والعشارة، إذ بقي كثير من وجهاء وشيوخ العشائر في مناطقهم بالرغم من اختلافهم مع توجهات القوى المسيطرة على الأرض وربما معاداتها بشكل واضح ومعلن، هذا الوضع الذي تشكل نتيجة وجود قوى جديدة على الأرض تسبب بانعزال كثير من هؤلاء عن الظهور الاجتماعي، إلا أنهم بذات الوقت حافظوا على وجودهم مع تراجع تأثيرهم الاجتماعي ودورهم الذي كانوا يضطلعون به، مع حلول قوى أخرى محلهم متمثلة بقادة الفصائل والهيئات الشرعية والمجالس المحلية وغيرها من القوى العسكرية والفعاليات التي أفرزتها الثورة.
لم تحاول القوى التي أفرزتها الثورة الاستثمار بالعشيرة بشكل مباشر، بل بقيت على مسافة من الجميع بالرغم من ظهور بعض الخلافات التي قامت على أساس عشائري، ويعود عدم الاستثمار لكون تلك القوى تعود في أصولها لطبيعتها العشائرية والتي تنصاع بالرغم من قوتها الظاهرية لقوانين وأعراف العشيرة وإن كان بشكل أقل تأثيراً.
ثانيا: صعود القوى الاجتماعية والعسكرية الجديدة:
مع ظهور قوى جديدة على الساحة وتراجع الفصائل التي تشكلت من أبناء المنطقة (فصائل الجيش الحر وكتائبه) لمصلحة قوى أخرى راديكالية تحمل فكرًا مناقضًا لمفهوم العشيرة كانتماء عقدي، إلا أنها تراوحت في الاستثمار بالعشيرة بين محاولة كسب ودها واحتواء أبنائها كما فعلت جبهة النصرة، حين انطلقت في تجنيد عناصرها في محاولة للتقرب من الحاضنة الاجتماعية للعشيرة، وبالتالي لم تصطدم معها بشكل مباشر، أو بين الاستثمار بها كما فعلت القوى اللاحقة
أ- العشيرة في ظل سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية:
بدأ الاستثمار الحقيقي في العشيرة يظهر بشكل أكثر وضوحاً بعد وصول تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وسيطرته على المنطقة، إذ لا تعترف أدبيات التنظيم بمفهوم العشيرة كانتماء اجتماعي، بل على العكس تماماً هي تحاربه وتعتبره نوعاً من الجاهلية، ومع ذلك وظّف التنظيم العشيرة في صراعاته البينية، حيث استثمر في الخلافات العشائرية والمنازعات من أجل تثبيت وجوده عبر دعمها وتغذيتها كصراع عشيرتي "البكير والشعيطات" الذي تحول إلى صراع عشائري بعد أن كان صراعًا فصائليًّا، وتم استثماره من قبل تنظيم "داعش" لاحقاً، كما تم استثمار هذا الصراع مع ظهور "قوات سوريا الديموقراطية– قسد" كلاعب جديد في المنطقة، كما عمل على تفتيت المجتمع العشائري من خلال التركيز على دعم بعض العشائر له وحصولها على حظوة ونفوذ لدى التنظيم على حساب عشائر أخرى، الأمر الذي غذَّى التنافس فيما بينها من جهة ومنع وقوفها بوجه التنظيم من جهة أخرى، إذ كانت محاولة إشغال ناجحة من قبل التنظيم للحاضنة الاجتماعية، والتي كانت حينها تشكل قوةً عسكريةً لا يُستهان بها فيما لو كانت موحدة ضد التنظيم، الأمر الذي أتاح له الاستفراد بها ومن ثم السيطرة عليها، وهو ما حدث مع عشيرة الشعيطات على سبيل المثال.
تراجع دور العشيرة بشكل كبير جداً مما اضطر بعض وجهاء وشيوخ العشائر لمبايعة التنظيم للحفاظ على حياتهم وحياة أسرهم وأفراد عشائرهم (حدثت بيعات جماعية خاصة تلك التي حدثت أواخر العام 2014 وتم أخذ البيعة في العراق لعدد من شيوخ ووجهاء العشائر حينها) في حين رفض بعض شيوخ العشائر مبايعته، واحتفظوا بمواقفهم وأماكنهم، وقد أفرد التنظيم لهذه البيعات إصدارات خاصة عبر ماكنته الإعلامية، كما عمل التنظيم على زيادة الشرخ بين العشائر من خلال تنفيذ عناصر له يتبعون لعشيرة ما إعدامات أو مداهمات في مناطق عشيرة أخرى، في رغبة منه لزيادة الاحتقان الذي سيتسبب بصورة أكبر باللجوء إليه، كما فعل في إصدار "أولئك آبائي"، حيث يقوم فيه عدد من الاشخاص يعودون بأصولهم لعشائر معينة بقتل أشخاص من عشائر أخرى، كان هدف التنظيم من ذلك تثبيت ولاء هؤلاء الذين باتوا يخافون على حياتهم من الثأر من جهة والإبقاء على جذوة الخلاف والصراع، وبالتالي عدم التفرغ لمقاومة التنظيم حينها، لذلك خصص ديوانًا كاملًا عُرف بديوان العشائر كانت مهمته متابعة شؤون العشائر وحل مشاكلها.
ب- القوى المسيطرة على جانبي النهر:
بعد خروج التنظيم خضعت المنطقة لعدة قوى تقاسمت فيها السيطرة على مناطق تواجد العشائر، مما فرض نوعاً جديداً من مراكز القوى كان على العشائر التعامل معه بصورة مختلفة.
سلوك القوى المسيطرة تجاه العشيرة
قبل الحديث عن كيفية تعامل القوى الجديدة مع ملف العشائر، لابد من الإشارة لنقطة هامة تفسر سلوك تلك القوى معها، ففي حين كانت القوى المسيطرة سابقاً سواء بيت المشيخة في مرحلة مبكرة من عمر الدولة السورية أو الجيش الحر لاحقاً أو حتى جبهة النصرة؛ تملك حواضن اجتماعية من أبناء العشائر ذاتها، مما يشكل غطاءً اجتماعيًّا للقوى وحمائي للعشيرة، هذا التواجد لأبناء العشيرة وتمثيلهم في القوى العسكرية فرض علاقة من نوع خاص تتمثل باحترام قانون العشيرة بما يخدم مصلحة الطرفين، وأبقى على نوع من الاحترام والتقدير لبيت المشيخة، الذي احتفظ بهامش من حرية الحركة والرأي، وإن كان تراجع بصورة واضحة مع ازدياد قوة نفوذ القوى العسكرية على الأرض، هذا النفوذ سواء العسكري المدعوم بقوة السلاح، أو الاجتماعي المدعوم بأخلاقيات وحضور الحراك الثوري، قوبل برد فعل سلبي من قبل بعض الشخصيات من بيوت المشيخة والوجهاء جعلها تنحاز باكراً لطرف النظام في نظرة استعلائية للشخصيات التي أفرزتها الثورة، سواء الاجتماعية عبر الانخراط بقيادة الحراك، أو القوى العسكرية التي أفرزت شخصيات قيادية جديدة على الساحة.
بالمقابل فإن القوى التي تلت هذه المرحلة من التوازن بين قوة العشيرة وقوة مفرزات الثورة السياسية والاجتماعية والعسكرية لم تكن تملك ذات الرصيد الاجتماعي، إذ لم يملك التنظيم "داعش" ذات الحاضنة الاجتماعية التي امتلكها الجيش الحر، بل على العكس تماماً فقد قوبل برفض اجتماعي واضح لمشروع داعش، بالرغم من الرضوخ للقوة المفرطة التي استخدمها التنظيم سواء من قبل كثير من بيوت المشيخة أو من أبناء العشائر ذاتها، وبالرغم من فداحة ما قام به اتجاه العشيرة كمكون اجتماعي إلا أنه استطاع استمالة بعض أبناء العشائر للانخراط في صفوفه، وهو ما حصل بصورة أقل مع القوى الأخرى التي بدأت تبحث عن الاستثمار في العشيرة مثـل "قسد ونظام الأسد"، وهنا يمكننا تقسيم تلك القوى إلى أربع قوى رئيسية كان لكل منها أسلوبه وطريقته في التعاطي مع العشيرة كمكون اجتماعي، وزجها في العمل السياسي بصورة أربكت مكوناتها وقياداتها الاجتماعية.
هذه القوى الأربع تتوزع بين قوى محلية فاعلة سواء شرق أو غرب الفرات، إذ تنقسم العشائر جغرافياً، لكنها لا تنقسم اجتماعيا، فأولاد العمومة يتواجدون على طرفي النهر، وهناك أمثلة كثيرة كـ"البكير والقرعان والبوحسن والدميم والبورحمة والبومريح" حيث تنقسم العشائر على ضفتي الفرات في مدن وقرى، لكنها حافظت على تواصلها الاجتماعي، وحتى احترامها وقبولها ببيت المشيخة، أو قوى إقليمية ودولية تمتلك تأثيراً مباشراً على وجهاء العشائر وشيوخها وتتمثل بـ:
1- نظام الأسد.
2 - قوات سوريا الديموقراطية "قسد".
3 - القوى الاقليمية " تركيا - الدول العربية العراق والسعودية- إيران "
4 - القوى الدولية "روسيا- الولايات المتحدة- الدول الأوربية "
نظام الأسد:
عمل نظام الأسد خلال سنوات على محاولة السيطرة على العشائر والاستثمار السياسي فيها من خلال محاولة اختراقها عبر بث الخلاف داخلها كمكون اجتماعي، أو داخل بيت المشيخة نفسه من خلال العمل على تقريب شخصيات دون أخرى، وبالتالي إثارة الخلاف بينها، ومن ثم محاربة القوى الرافضة لتدخله داخل العشيرة وبيت المشيخة فيها، أو من خلال إثارة المشاكل بين العشائر خاصة بما يتعلق بالملكيات (حدود ملكية كل عشيرة في الاراضي التي تتبع لها) كما لعبت السلطة الأمنية دوراً هاماً في محاولة التفاهم مع شخصيات عشائرية ودعمها مقابل الوقوف ضد مشاريع إقليمية، ومع ذلك عمل النظام على تهميش دور العشيرة كمكون اجتماعي، وأبعدها عن أي ممارسة للدور السياسي الذي كانت تلعبه قبل ذلك.
بعد انطلاق الثورة السورية حدث سباق بين النظام من جهة وفعاليات الثورة السورية حول استمالة العشائر، والتي لم تنخرط ككتلة اجتماعية بشكلها الكامل إلى أي من طرفي الصراع، بل كانت الخيارات فردية سواء بالانضمام لطرف الثورة أو لطرف النظام، وفيما انحازت الأغلبية من أبناء العشائر للثورة، كان موقف بيوت المشيخة متردداً إذ لم ينحز بشكل مباشر وصريح إلا عدد محدود من الشيوخ والوجهاء للثورة السورية، فيما انحاز عدد أكبر لجهة نظام الأسد خاصة أولئك الذين كانوا منخرطين في جسم السلطة ويشغلون بعض مناصبها خاصة "عضوية مجلس الشعب"، مع التأكيد على حدوث انشقاقات داخلها، الجزء الأكبر من بيت المشيخة التزم نوع من الصمت ولم ينحز إلى طرف معين، لكنه بقي فاعلًا اجتماعيًّا في مناطق وجوده، سواء مناطق النظام أو المناطق التي خرجت عن سيطرته، وهي النسبة الأكبر.
وبعد عودة سيطرة النظام على جزء كبير من محافظة دير الزور عاد ملف العشائر للظهور مجدداً، ودعم النظام مليشيات عسكرية قامت على أساس عشائري أبرزها تلك التي يقودها أحد مشايخ قبيلة البكارة (نواف الراغب البشير) أو بعض الفصائل المحلية التي يقودها وجهاء تلك المناطق مثل (فرحان المرسومي) أحد وجهاء عشيرة المراسمة بالبوكمال، والملاحظ أن هؤلاء جميعهم رشحوا أنفسهم لانتخابات مجلس الشعب، لكنهم فشلوا بالوصول لأسباب تتعلق بوجود أجنحة أخرى أكثر قوة داخل المنظومة الإجتماعية في دير الزور، بمعنى أنها أكثر قرباً من السلطة الأمنية أو من الإيرانيين أو من الروس.
يحاول النظام الآن الاستثمار في الصراع الناشئ بين القبيلة كمكون اجتماعي وقسد كسلطة أمر واقع للإيحاء بأنه يملك قوة عشائرية واجتماعية قادرة على فرض سيطرتها على شرق الفرات، وهذا ما ظهر من خلال التصريحات التي أطلقها بعض وجهاء وشيوخ العشائر الموالين للنظام حيث أصدرت قوى ووجهاء عشائر في مدينة دير الزور في 11 آب أغسطس بيانًا هاجمت فيه الولايات المتحدة وقوات قسد، ودعمت فيه نظام الأسد مهددة بالسيطرة على المناطق شرق الفرات وقرأ البيان "عبد الكريم الهفل" ابن عم مطشر الحمود الهفل الذي قتل قبل يومين من هذا البيان على يد مجهولين، هذا البيان جاء رداً على بيان صدر عن اجتماع مشايخ ووجهاء قبيلة العكيدات بوجود إبراهيم الخليل الجدعان الهفل وهو المكلف من قبل أخيه مصعب شيخ العكيدات والمتواجد في قطر بالإشراف على شؤون القبيلة، مما يفسر حرب التصريحات هذه، إذ اختار النظام شخصية من ذات بيت المشيخة للرد على البيان، خاصة بعد التوتر الذي حصل في مناطق سيطرة قسد بعد مقتل الشيخ "مطشر الهفل" وأحد وجهاء عشيرة العكيدات وإصابة أحد أبرز شيوخ قبيلة العكيدات الشيخ "إبراهيم خليل الجدعان الهفل"، والتي حصل على إثرها حراك عشائري في مناطق سيطرة قسد نتج عنه عدد من الاجتماعات لوجهاء و شيوخ العشائر أسفر عن إعلان ما سُمي "مكتب المتابعة" المكون عن ممثلين للعشائر الموجودة في مناطق سيطرة قسد بهدف التفاوض مع التحالف الدولي، مما دفع النظام لاستغلال الوضع وإطلاق تصريحات إعلامية بإيحاءات روسية وإيرانية الهدف منها الضغط على الإدارة الأمريكية قبيل الانتخابات الأمريكية القادمة، لكن حقيقة الأمر أن النظام السوري لا يملك القوة اللازمة لتحويل هذه التهديدات لأمر واقع، فلا شكل القبيلة الموالي للنظام ولا قياداتها التي توالي النظام قادرة على تحقيق أي من هذه التهديدات، فهي لا تملك العنصر البشري اللازم من جهة، ولا تحظى بقبول اجتماعي في مناطق سيطرة قسد، بل على العكس فهي خسرت كثيراً من حاضنتها بعد دخول النظام والتي تهجرت وهربت باتجاه مناطق سيطرة قسد أو خارج جغرافيا المحافظة.
قوات سوريا الديموقراطية" قسد":
بسبب إدراكها عدم وجود حاضنة شعبية لها في مناطق شرق الفرات وخاصة دير الزور، حاولت قسد من خلال قيادتها السياسية والعسكرية استمالة العشائر وبناء شبكة علاقات مع الشيوخ والوجهاء فيها منطلقة من عدة عوامل أبرزها:
1- خوف العشائر من عودة تنظيم داعش، وحاجتها لقوة عسكرية يدعمها التحالف الدولي، وهو ما يتوفر في قوات سوريا الديموقراطية.
2- الاستثمار في الإرث الذي تركه تنظيم داعش من خلافات بينية بين العشائر، والعزف على وتر إثارة هذه النعرات وتغذيتها، ومن ثم الوقوف موقف المتفرج عليها حتى تبقى قسد القوة الوحيدة المسيطرة، وهذا يشبه استراتيجية تنظيم داعش سابقاً.
3- كذلك استفادة قسد من انخراط عدد كبير من أبناء العشائر في صفوفها لمقاتلة التنظيم، خاصة من أبناء عشيرتي الشعيطات والبكير مع وجود عناصر من مختلف عشائر المنطقة ضمن صفوفها، إلا أن الدور الأبرز هو لمجلس دير الزور العسكري الذي يقوده "أحمد الخبيل أبو خولة" وهو من أبناء عشيرة البكير.
لذلك عملت قسد على عقد عدد من اللقاءات والاجتماعات مع عدد من وجهاء وشيوخ المنطقة من أجل سهولة السيطرة على المنطقة، وقد رفض عدد من شيوخ العشائر حضور مثل هكذا اجتماعات، إلا أن سياسات قسد الخاطئة والفساد الموجود داخل مجالسها، وعدم قدرتها على توفير الأمان أو الدعم الاقتصادي، وفشلها في إدارة المنطقة خاصة بما يتعلق بالملف الأمني والاقتصادي ووجود رفض لها من قبل الحاضنة الاجتماعية الموجودة، وكذلك رفض سياستها في شق بيت المشيخة من خلال استمالة بعض رجاله وتهميش أو محاربة الأخرين[1] .
كل ذلك تسبب بنقمة ورفض واسع لوجودها خاصة في ظل أخطاء كبرى مارستها، كسياسة الاعتقالات والمداهمات والتهم الجاهزة، وعدم احترام خصوصية المجتمع المحلي، كما ظهر في ما سمي بمشكلة "المناهج الدراسية" التي حاولت قسد فرضها على المجتمع المحلي.
القوى الرافضة لسيطرة قسد:
هذه التصرفات أوجدت نواة صلبة رافضة لوجود قسد تتعزز بدعم من أهالي المنطقة خاصة المتواجدين خارجها، وينظرون إليها كسلطة أمر واقع زادت من حضورها بعد عمليات الاغتيال التي حصلت مؤخراً والتي كان أبرزها اغتيال أحد شيوخ قبيلة العكيدات المكون الأبرز في المنطقة" مطشر الهفل".
لذلك يمكننا القول أن هناك قوتان عشائريتان متصارعتان شرق الفرات في مناطق سيطرة قسد لكل منهما مشروع مختلف ؛ الأول مدعوم من قبل قسد ويدعو لبقاء سيطرتها بشكلها الحالي ويرفض عودة النظام حسب بيانات اجتماعاته ويمثله بشكل واضح قائد محلس دير الزور العسكري أبو خولة أحمد الخبيل وعدد من الوجهاء. وأخر رافض لسياسات قسد ويدعو التحالف الدولي لإعادة المنطقة لأبنائها وتسلميهم إداراتها، وأيضاً يرفض عودة النظام والمليشيات الإيرانية ويمثله شيوخ قبيلة العكيدات وأبرزهم إبراهيم الخليل العبود الهفل[2] .
القوى الإقليمية " تركيا - الدول العربية العراق والسعودية- إيران "
تعتبر القوى الاقليمية أكثر القوى المتواجدة على الأرض السورية فاعلية، سواء من خلال تواجدها العسكري على الأرض أو من خلال نفوذها السياسي فيها، وتحظى منطقة شرق الفرات باهتمام خاص لهذه القوى الفاعلة ولكل منها أسبابه.
الموقف التركي:
ففي حين يرى الأتراك منطقة شرق الفرات هي منطقة نفوذ لهم، وهي منطقة تحدٍّ لنفوذهم بسبب طبيعة الصراع التركي الكردي حيث تسيطر قوات سوريا الديموقراطية على المنطقة منذ بداية العام 2017م عندما بدأت عملياتها العسكرية بدءاً من ريف الحسكة ثم مدينة الرقة، والتي سيطرت عليها مطلع العام 2018م، لتتجه شرقاً نحو دير الزور وتسيطر على منطقة شرق الفرات بحلول 21 آذار 2019م بعد معارك مع تنظيم داعش، في ظل سيطرة قسد على المنطقة، وبالتالي دخلت المنطقة ضمن خارطة الصراع التركي الكردي، لذلك كان على الحكومة التركية البحث عن حاضنة اجتماعية تدعم نفوذها المحتمل، سواء كان هذا النفوذ سياسيًّا أو عسكريًّا، مستفيدة من وجود عدد كبير من أبناء العشائر على أرضها، كذلك وجود عدد من شيوخ ووجهاء هذه العشائر على أرضها، حيث قامت الحكومة التركية بدعم تشكيل مجالس على أساس عشائري كان أبرزها مجلس العشائر والقبائل السورية، وهو "تجمع سياسي اجتماعي" يهدف للانخراط بالعملية السياسية السورية وفق رؤية المعارضة السورية ودعم الرؤية التركية للحل في سوريا.
كما دعمت تركيا إدخال هذا التجمع إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في إطار توسعته الأخيرة في تموز 2020م، ويعتبر هذا التجمع أحد الخطوات التركية للحصول على قبول وحاضنة اجتماعية شرق الفرات من خلال العمل على تسييس الملف، وإدخال العشائر كطرف فاعل فيه، لكن هناك معضلة تواجه هذا التوجه وتتمثل بعدم قدرة ممثلي هذه المجالس بالتأثير في عشائرهم ومناطقهم، فهم لا يملكون ذات النفوذ الذي يملكه شيوخ ووجهاء العشائر على الأرض "شرق الفرات " من جهة، وهم محكومون بقيود السياسة التركية وتوجهاتها، والتي يدخل ضمنها التقارب والاتفاق الروسي التركي، كما لا يملك هؤلاء سلطة فعلية من الممكن أن تحقق لهم ما يريدون، وبذات الوقت يتحاشى ممثلي هذه المجالس الاصطدام مع أقربائهم خاصة أولئك الذين يعارضون سياسات قسد لكنهم لايزالون تحت سلطتها، وبذلك فإن محاولة الاستثمار التركي بالعشيرة لا يتعدى كونه استثمارا إعلاميا لهذه القوى الاجتماعية، والتي فقدت أيضاً زخمها بسبب عدم قدرتها على التواصل وتقديم أي نوع من الخدمات والمساعدة لأبناء عشائرهم، خاصة أولئك المتواجدون في مخيمات الشمال السوري، والذين يعانون من تسلط الفصائل من جهة ومن الحاجة والمعاناة من جهة أخرى.
الموقف العراقي:
بالمقابل فإنه وبالرغم من التقارب الاجتماعي والديموغرافي بين العشائر على جانبي الحدود العراقية السورية، إلا أن الموقف من العشائر السورية لم يخرج عن موقف الحكومة العراقية، ولم تستطع عشائر العراق تقديم العون لعشائر شرق سوريا لأسباب تتعلق بالموقف السياسي للحكومات العراقية الداعم لنظام الأسد، وللصراع الذي تعيشه العشائر العراقية مع الحكومات ذاتها، ففي حين استثمر تنظيم الدولة الإسلامية /داعش /بهذا التقارب أفضل استثمار من خلال السيطرة على العشائر على جانبي الحدود، ومن ثم توزيع إدارتها على أبناء تلك العشائر، كانت ولاية الفرات التي شكلها التنظيم تضم أراضٍ من سوريا، تمتد عبر الحدود العراقية السورية من غرب العراق ومناطق الأنبار حتى مدينة البوكمال السورية، والتي تتبع لمحافظة دير الزور ولعمق /50/ كم غرب المدينة، كذلك قام بنقل عدد كبير من العائلات العراقية إلى سوريا، وعلى العكس تماماً كان لإغلاق الحدود بعد سيطرة قسد دور كبير في اختفاء هذا التواصل، فيما تخضع الجهة الأخرى من الحدود للسيطرة الإيرانية، وبالتالي لا يمكن حدوث أي نوع من التواصل بين العشائر العراقية ونظيرتها السورية.
الموقف السعودي:
بالرغم من عدم الانخراط السعودي بالشأن السوري بشكل مباشر إلا أن السعودية دعمت بعض الفصائل شرق سوريا على أساس عشائري بداية الحراك المسلح في سوريا، كما دعمت أحمد عاصي الجربا أحد شيوخ عشيرة شمر في سوريا ليصبح رئيساً للائتلاف السوري المعارض، كان هذا الدعم يعتمد بصورة أولى على الخلفية العشائرية لأحمد الجربا، إلا أن هذا الدعم تراجع بعد سيطرة جبهة النصرة، ومن ثم توقف بعد انسحاب السعودية من الملف السوري، وتراجع الاهتمام السعودي، ولأسباب تتعلق بالتنافس السعودي التركي عادت الدبلوماسية السعودية تبحث عن مكان لها في مناطق تبحث تركيا عن نفوذ لها، ولكن هذه المرة عبر التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث زار الوزير السعودي ثامر السبهان شرق الفرات واجتمع بشيوخ العشائر في محاولة لإيجاد دور سعودي في المنطقة، لكن لأسباب تتعلق بتراجع الاهتمام السعودي والرؤية الأمريكية لشرق الفرات القائمة على دعم قوات سوريا الديموقراطية شرق الفرات جعل من الحضور السعودي غير فاعل وغير ذي تأثير[3] .
الموقف الإيراني:
اعتمدت إيران في تدخلها المباشر في سوريا على عدة أشكال من القوى، سواء المباشرة كتدخل الحرس الثوري الإيراني، أو باستخدام مليشيات أجنبية ذات خلفية طائفية كالمليشيات الأفغانية والإيرانية، أو أخرى ذات أهداف مرحلية تقوم على دعم النظام السوري على أسس مصلحية مثل المليشيات الفلسطينية، أو مليشيات تقوم على أساس عشائري والتي بدأت بالظهور بوقت مبكر في أرياف حلب حيث قاتلت مليشيا بيت بري إلى جانب الإيرانيين ونظام الأسد في معارك ريف حلب.
كما شكلت إيران عددًا من المليشيات في دير الزور على أساس عشائري، خاصة من أبناء عشيرة البقارة، كفيلق أسود العشائر، الذي يتبع لنواف البشير أحد مشايخ قبيلة البقارة بدير الزور، وانضم بعض أفراد العشائر بصورة فردية في المناطق الخاضعة لسيطرة الإيرانيين طمعاً بما تدفعه المليشيات من رواتب لمقاتليها وهروباً من الالتحاق بجيش النظام، كذلك مارست المليشيات الإيرانية سياسة الترهيب بتخيير الشباب من أبناء العائلات في مناطق سيطرتها بين الانضمام للمليشيات الايرانية أو الاعتقال، ويعود هؤلاء في انتمائهم لعشائر المنطقة، كذلك دعمت إيران شيوخ ووجهاء تلك العشائر والموالين للنظام السوري بشكل كبير، سواء من خلال فتح المجال أمامهم ليصبحوا أمراء وتجار حرب وتسهيل عملياتهم التجارية، أو من خلال دعمهم سياسياً، حيث دعمت عددًا منهم ليصبحوا أعضاء في مجلس الشعب التابع للنظام في انتخابات العام 2020 أمثال محمد الرجا وهو أحد أبناء قرية حطلة، ويعتنق المذهب الشيعي، ومدلول عبد العزيز من عشيرة المشاهدة في الوصول لمجلس الشعب، كما دعمت شخصيات أخرى لكنها لا تملك أي وزن عشائري وربما لا تنتمي بشكل واضح لعشائر المنطقة كفراس الجهام المعروف بـ/فراس العراقية/ قائد الدفاع الوطني بدير الزور وذلك في موازنة مع نفوذ شيوخ العشائر في منطقتها.
ثالثا: الخارطة الجغرافية للعشائر وكيفية توزعها
تتوزع العشائر بشكل شبه متناظر على جانبي نهر الفرات، إذ تنقسم في بعض الأحيان العشيرة إلى قسمين، يعيش كل منهما في قرية أو أكثر على جانبي النهر كعشيرة القرعان التي تسكن قرى القورية جنوب نهر الفرات، والشنان و الطيانة شمال نهر الفرات، وكذلك الدميم التي تسكن قرى العباس والصالحية والجلاء في الشامية وقرية البحرة في الجزيرة شمال النهر، وكذلك عشيرة البقعان التي تسكن قرية الرمادي وحسرات في الشامية وأبو الحسن في الجزيرة، والبكير التي تسكن في قرية سعلو جهة الشامية والبصيرة وبريهة جهة الجزيرة على سبيل المثال لا الحصر، والبقارة كقرى حوايج ذياب والزغير شامية جنوب نهر الفرات، يقابلها عدد من القرى شمال نهر الفرات، وعشيرة البوحسن المتواجدة في مدينة العشارة، وسويدان جنوب نهر الفرات، وقرية سويدان جزيرة ودرنج شمال نهر الفرات.
وتعتبر قبيلتا العكيدات والبكارة هما الأكبر في المنطقة وتتبع لهم عدد من عشائر المنطقة، وتقطن عشيرة البكارة بشكل خاص بريف دير الزور الغربي والشمالي الغربي، فيما تقطن عشيرة العكيدات بريف دير الزور الشرقي وعلى جانبي النهر، كما أن لكلا القبيلتين امتدادات في محافظات الرقة وحمص وحماة وأرياف حلب.
وبالعودة للتوزع الجغرافي:
أ- مدينة دير الزور
يسكن مدينة دير الزور خليط من جميع العشائر المتواجدة في المحافظة حيث ينتمي سكانها بحكم كونها مركز المحافظة التجاري والإداري والتعليمي إلي جميع العشائر والقبائل الموجودة، إضافة للعائلات الديرية التي تسكن المدينة، وهناك أحياء شبه كاملة يقطنها أبناء العشيرة الواحدة كحي البو سرايا الذي يقطنه أفراد من عشيرة البو سرايا التابع لقبيلة العكيدات، وحي المطار القديم الذي يسكنه أغلبية من أبناء عشيرتي البو خابور والبو ليل .وتسيطر عليها مليشيا نظام الأسد والمليشيات الإيرانية والقوات الروسية.
ب- ريف دير الزور الغربي
ينقسم ريف دير الزور الغربي إلى قسمين على جانبي نهر الفرات
جنوبي ويسمى الشامية
وأبرز قراه من الغرب على حدود محافظة الرقة حتى مدينة دير الزور هي معدان عتيق والقصبي وحلبية- التبني- البويطية- الطريف -العنبة - المسرب - الشميطية الغربية والشرقية - زغير شامية - الخريطة - حوايج ذياب - عين البوجمعة - عياش – البغيلية، ومعظم سكانها من عشيرة البوسرايا التابعة لقبيلة العكيدات ، باستثناء حوايج ذياب تتبع لقبيلة البكارة، فيما تسكن عشائر أخرى كأقلية ديموغرافية كالبوسبيع في التبني . وتقع تحت سيطرة نظام الأسد والمليشيات الإيرانية والقوات الروسية.
شمالي ويسمى الجزيرة
ومعظم سكان المدن والقرى ينتمون لقبيلة البقارة بفروعها عابد وعبيد وبوسلطان، وأهم قراها ومدنها:
جزرة البوحميد وفيها أيضاً عشيرة البوشعبان، وجزرة الميلاج ، زلبية -الكبر- الهرموشية - مدينة الكسرة، وتعتبر حالياً أحد مراكز قيادة قسد في ريف دير الزور الغربي - جمار الكسرة وحمار العلي -الصعوة -حوايج ذياب وحوايح البومصعة ومحيميدة وسفيرة فوقاني وسفيرة تحتاني وشقرة والجنينة وحطلة، وتقع باستثناء قرية حطلة تحت سيطرة قوات قسد.
ج - ريف دير الزور الشرقي
ويقسم كذلك إلى جنوب نهر الفرات ويسمى محلياً الشامية وشمال نهر الفرات ويسمى محلياً الجزيرة، ويعود سكان الريف بشقيه بمعظمهم لقبيلة العكيدات باستثناء بعض القرى التي تقع شمال شرقي مدينة دير الزور وهي مراط ومظلوم وخشام /العنابزة/ وطابية جزيرة وجديدة بقارة فهي تنتمي لعشيرة البقارة، ويسيطر النظام والمليشيات الإيرانية والقوات الروسية عليها، أما باقي القرى فتتبع لقبيلة العكيدات، وينتمي سكانها لعدة عشائر موزعة جغرافياً كما يلي:
ريف دير الزور الشرقي /شامية /
ويمتاز بأن المدن الكبرى من حيث المساحة وعدد السكان والنشاط التجاري تقع في هذا الجانب وأبرز قراه ومدنه: الجفرة ويسكنها خليط من العشائر؛ أبرزها: الويسات والمشاهدة،
مدينة موحسن /المريعية، العبد أو البوعمرو، موحسن / ومعظمها تنتمي لعشيرة البوخابور مع وجود عدد من أهلها ينتمون لعشائر أخرى مثل طلبية شامية التي ينتمي سكانها لعشيرة البوسلطان بمعظمهم، قطعة البوليل والطوب وهم ينتمون لعدة عشائر ويقال أن قسمًا منهم ينتمي لعشيرة شمر ويسكنها أيضاً البوعيسى، سعلو ومعظم سكانها من البكير والمشاهدة والزباري وينتمون لقبيلة الدليم ، بقرص /فوقاني , تحتاني /ومعظم سكانها من عشيرة البوسرايا.
مدينة المياذين ويتبع لها /البلعوم والطيبة/ وسكانها من عشيرة القلعيين ويقسمون إلى بوخليل وبومصطفى، ويسكنها أيضاً مشاهدة وهم عكيدات وهناك بيوت تعود بأصلها لراوة وعانة في العراق ويقال لهم الراويون والعانيون، محكان وسكانها من قبيلة الجحيش وهناك عائلات أخرى، القورية وسكانها معظمهم من عشيرة القرعان، مدينة العشارة وسكانها مشاهدة وبوحسن في معظمهم، سويدان شامية وسكانها من عشيرة البوحسن، قرى دبلان صبيخان والكشمة وسكانها من عشيرة الشويط، قرية الدوير وسكانها من عشيرة البورحمة، قرى الصالحية والعباس والجلاء وهم من عشيرة الدميم، قرية المجاودة وهي تنتمي لقبيلة العبيد، قرى حسرات والرمادي وتنتمي لعشيرة البقعان
قرى السيال شرقي وغربي وهم من عشيرة البومريح، قرية الغبرة ومعظم سكانها من عشيرة الحسون وفيها مشاهدة أيضاً، قرى الحمدان والسكرية ومعظم سكانها من عشيرة المشاهدة
مدينة البوكمال وهي خليط ومعظم سكانها من عشائر القرى، ومن أصول عانية وراوية وسميت البوكمال نسبة لأحد أصول قبيلة العكيدات حسب الروايات المحلية، قرى السويعية ويسكنها عشيرة الحسون، والهري ويسكنها قبيلة الجغايفة وهي قبيلة يقع معظم أفرادها داخل العراق وتقع على الحدود وينقسم أفراد القبيلة بين المنطقتين وتقع هذه المناطق تحت سيطرة مليشيا نظام الأسد والمليشيات الايرانية والقوات الروسية.
ريف دير الزور الشرقي جزيرة
ويبدأ تقريباً من قرى حطلة ومراط ومظلوم وخشام وطابية جزيرة ويسكنها أفراد من عشيرة البقارة وتسيطر عليها مليشيات الأسد.
مدينة البصيرة ومعظم سكانها من عشيرة البكير ويوجد فيها قلعيون وبوشلهوم و/بوفهد ينتمون لعشيرة الجبور /وراويون
ويتبع للبصيرة قرية الصبحة ويسكنها مشاهدة وبكير، وكذلك قرية السجر ويكنها عشيرة السياد وقرية الزروبريهة ويسكنها عشيرة البوعز الدين.
يليها مدينة الشحيل وسكانها من عشيرة البوجامل، وهم أحد فروع العكيدات وكذلك قرى الحوايج والتي سكنها بوجامل أيضاً.
وتعتبر مدينة ذيبان مركز بيت مشيخة العكيدات اذ يسكنها آل الهفل وهم شيوخ قبيلة العكيدات ورأس بيت المشيخة في القبيلة، يليها قرية الطيانة وهم من عشيرة القرعان ومن ثم قرى درنج وسويدان جزيرة وهم من عشيرة البوحسن.
كذلك قرية الجرذي ويسكنها أفراد من عشيرة البورحمة وأبو حردوب ويسكنها افراد من عشيرة الشويط.
يليها قرى عشير الشعيطات /العشيرة التي ارتكب فيها تنظيم داعش مجزرته الشهيرة صيف العام 2014 / وهي أبو حمام، الكشكية، غرانيج ومعظم سكانها من عشيرة الشعيطات.
يليها قرية البحرة وسكانها ينتمون لعشيرة الدميم.
مدينة هجين ومعظم سكانها من قبيلة العبيد وهم لاينسلون للعكيدات بل عشيرة تعود بأصولها للعراق، وكذلك تسكنها عشائر البو خاطر والبوحردان وتعتبر هجين أكبر مدن خط الجزيرة إضافة للبصيرة ، تلي مدينة هجين قرية أبو الحسن وسكانها ينتمون لعشيرة البقعان، ثم مدينة الشعفة وسكانها من عشيرة البومريح.
ثم قرى المراشدة وسكانها ينتمون لعشيرة المراشدة والبوبدران وتعود أصولهم لقبيلة البكارة لكنهم يسكنون المنطقة منذ أمد بعيد.
تليها مدينة السوسة وينتمي سكانها لعشيرة الحسون وكذلك قرية الباغوز التي جرت فيها آخر المعارك ضد تنظيم داعش، وجميع تلك المناطق تخضع لسيطرة قسد بدعم من التحالف الدولي وفيها قواعد أمريكية وحقول نفطية
كان هذا عرضًا بانوراميًّا سريعًا لتوزع القرى في شرق سوريا والعشائر التي تسكنها.
الخاتمة
تشكل العشيرة بمفهومها التقليدي الحاضنة الاجتماعية الأبرز شرق سوريا، لكن دورها الاجتماعي تراجع بشكل ملحوظ خلال الفترة ما بين عامي 2011م و2019م ليعود مجدداً في محاولة لاستثمار دور العشيرة من قبل جميع الأطراف المتداخلة بالشأن السوري، إلا أن محاولات تحويل العشيرة إلى كتلة وكيان سياسي وعسكري هو عملية تحويل لا تستطيع العشيرة ببنيتها الحالية المنقسمة والمفككة القيام به، وبالتالي أي محاولة للاستثمار بالعشيرة بشكلها المجرد عن أي نشاط سياسي آخر هو عملية تقسيم لها ودفعها لاصطفافات وخيارات قد تودي بالعلاقات العشائرية الاجتماعية والتي تحافظ على الحد الأدنى من التوافق المجتمعي.
وعليه فإن قدرة العشيرة على ضبط الحالة الاجتماعية يعتبر دوراً جيداً يمكن البناء عليه في عمليات تحقيق العدالة الانتقالية وإطفاء ما خلفته سنوات الصراع.
المراجع:
[1] موقع الجمهورية - احتجاجات العشائر في دير الزور مستمرة https://bit.ly/3lcqRHu
[2] الشرق نيوز - اجتماع لشيوخ قبيلة العكيدات رداً على مجزرة الشحيل https://alsharqnews.net/4493
[3] موقع الجمهورية - فراس علاوي - عودة سعودية للملف السوري https://bit.ly/32nuVgP
(للاطلاع على الدراسة كملف pdf يُرجى تحميل الملف المُرفق أسفل الصفحة)
---------------------------------------------------------------------------------------
الحقوق الفكرية محفوظة لصالح المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2020