3 أسئلة بين الطفلة جوى إستانبولي ومذبحة التضامن.. من الطائفي؟!
الكاتب: يحيى الحاج نعسان- صحفي وباحث في الرأي العام
تاريخ النشر: 2022/08/19
يغضبُ شركاء الوطن الموالون عندما نخلع صفة الأسد والميليشياوية على الهيئات والدوائر التي يسمونها مؤسسات الدولة. كما يتهموننا بالطائفية، فقط لأننا نضطر في بعض الأحيان في إطار توضيح ما يجري لتسمية الأشياء بمسمياتها.
ولكن، وهنا نسأل شريك الوطن، ماذا يمكن أن يقال عن بيان وزارة الخارجية السورية، (لم نقل خارجية الأسد كي لا تزعل)، وهي تعلّق بعد مضي /4/ أشهر بالكذب "الوقح" على دماء السوريين النازفة في مجزرة التضامن، فقط لأن فرنسا تكلمت؟!، كيف ستُقنع عشرات العائلات الذين شاهدوا أبناءهم العزل يساقون إلى القتل؛ أن هناك قيمة لدماء أبنائهم (السنة)، المُراقة على يد طائفي علوي، وأن ذلك الطائفي، سيُحاسب ولا يمثل الدولة الحامية لمواطنيها أو حتى الطائفة. وترفض أن يتهمها بلد أجنبي "إمبريالي" بالإجرام؟!
ماذا ستقول يا شريك الوطن المؤيد لأبناء هؤلاء القتلى الذين قتل آباؤهم مرتين؟!، مرة على يد أولئك الطائفيين الظاهرين بفيديو المجزرة، ومرة ثانية على يد من تسميها الدولة التي رفضت فتح تحقيق شكلي بجريمة ضد مواطنيها هزت العالم، وهي خرست عنها كأنها ميتة، وياليتها بقيت.
جريمتان
فجأة، استيقظت دولة الأسد بعد /4/ أشهر من مجزرة التضامن الموثقة بالفيديو وباعترافات الجاني صوتاً وصورة عن المشاركين بتلك المجزرة التي انتهت بحرق الضحايا وحرق قلوب مئات بل آلاف السوريين على أبنائهم وذويهم، لتنفي وجود المجزرة، ناسفة الأدلة الدامغة على حدوث المجزرة، هكذا بكلام خطابوي خشبي لا معنى له، فقد قالت وزارة الخارجية حرفياً: " إنه لم يكن مستغرباً البيان الصادر عن وزارة الخارجية الفرنسية مؤخراً بخصوص مقاطع فيديو مفبركة مجهولة المصدر. وتفتقد بالتالي لأدنى درجات الصدقية، وهي بالتأكيد تكرار للكثير من المواد التي انتشرت والتي تعتبر من أكثر الأدوات تضليلاً، والتي استخدمت في العدوان على سورية".
ولم تكتف بذلك بل أضافت في معرض ردها على بيان وزارة الخارجية الفرنسية كما هو واضح، والذي توعد من يسميها شريك الوطن المؤيد بالدولة بالمحاسبة على مذبحة التضامن "إنه لمن السخرية بمكان أن تتنطح الحكومة الفرنسية للدفاع عن حقوق الإنسان وتاريخها زاخر بالجرائم التي ارتكبت في أماكن كثيرة من العالم والتي لن تستطيع اعترافات واعتذارات الدولة الفرنسية محو هذا العار في تاريخها الأسود، أو إعفاءها من المسؤولية، وهي بالتالي غير مؤهلة وآخر من يحق له الحديث عن قيم العدل والقانون الدولي".
الجريمة الأولى التي ارتكبتها خارجية الأسد ببيانها، هي الكذب الوقح والاستهتار بدماء السوريين وخاصة دماء الأكثرية السنية، (وهذا سيأتي تفصيله في فقرة لاحقة)، وهنا سنثبت هذا الكذب ليس بالكلام الخشبي الفارغ من أي محتوى كما فعلت خارجية الأسد، بل بالأدلة، ومن أبواق نظام الأسد الرسميين وأقرباء بشار الأسد نفسه.
ففي 30 نيسان بعد 3 أيام من نشر فيديو المجزرة، خرج حيدرة سليمان المقرب من عائلة الأسد وابن لواء المخابرات المعروف بهجت سليمان، مهدداً بكسر عظام المتعاطفين مع ضحايا مجزرة التضامن من الموالين في مناطق سيطرة أسد محاولاً تبرير قتل المدنيين على يد ميليشيا أسد والأجهزة الأمنية.
وقال :"إن من ارتكب المجزرة عناصر من القوات الرديفة دون رتب وغير عسكرية، وأن من تم قتلهم ليسوا مدنيين بل مجموعة من إرهابيي داعش".
في 2 أيار خرجت الدكتورة نهلة عيسى وهي ليست علوية فقط بل تعتبر شخصية اعتبارية ورسمية على اعتبار أنها مدرسة في جامعة (كلية الإعلام) تتبع للحكومة، واعترفت بالمجزرة مبررة إياها بأنها أخطاء فردية.
وقالت عيسى إن "نشر الفيديو مثير للغثيان أكثر من المجزرة، لأن الحرب بطبعها قذرة، وطبيعي أن يخرج فيها بعض الأفراد من الجيش عن عقولهم".
والأهم من كل هؤلاء اعتراف رفعت علي الأسد ابن عم بشار الأسد بالمجزرة، رغم تبريرها، كعادة جميع شركائنا المؤيدين في الوطن؛ رافضين حتى محاسبة شخص واحد وهو أمجد اليوسف الذي ظهر في الفيديو وهو يطلق النار على الضحايا ويرميهم بحفرة الموت.
وقال ابن عم بشار في 23 أيار في بث مباشر من القرداحة "أنا ما ذنبي تحمّلني مجزرة التضامن الجريمة مرفوضة بس أنتو كمان ارتكبتو مجازر .. وكرر: "كمشتولي بمجزرة التضامن وشب ارتكب".. وهنا قطع ولم يُكمل.
أما ثاني الجرائم، فهو ليس فقط نفي المجزرة بشكل وقح، وإنما هو الصمت المطبق لشهور عديدة وعدم إصدار أي بيان، أو حتى فتح تحقيق بمجرم معروف الاسم والهوية والمكان من دوائر الأسد، التي يسميها شريك الوطن المؤيد دولة، رغم أن العرف الإعلامي والسياسي يقتضي وجود رد رسمي أو فتح تحقيق على الأقل، في حال أي اتهام يوجه لحكومة أو دولة ما، فكيف بتحقيق صحفي عالمي موثق بالفيديو والصور والأسماء يكشف عن إزهاق أرواح عشرات المدنيين، ليس من دولة أخرى، وإنما إزهاق أرواح من يفترض أنهم أبناؤها.
بين جوى إستانبولي ومجزرة التضامن.. من الطائفي؟
لم تكن جريمة وزارة خارجية الأسد واستهتارها بدماء السوريين المسفوكة بمذبحة التضامن مستغربة، لكن المستغرب هو استنفار جميع أجهزة نظام الأسد للبحث عن طفلة صغيرة تدعى جوى إستانبولي اختفت بظروف غامضة عن بيت أهلها بحمص، بل استنفر كل شركاء الوطن المؤيدين على وسائل التواصل الاجتماعي تعاطفاً وخوفاً على الطفلة جوى، ولأول مرة أشاهد شرطة أسد مستنفرة بهذا الشكل وتبحث ليلاً بالسراج والفتيلة كما يقال لإيجاد الطفلة.
ليس شريكنا المؤيد وحده من حزن على جوى بل المعارضين وكل السوريين أيضاً تمنوا عودة جوى سالمة إلى ذويها، ولكن في ظل هذا التعاطف خرجت علينا خارجية الأسد ببيان الاستهتار بدماء عشرات السوريين ومشاعر أهليهم وذويهم، حتى شريك الوطن المؤيد الذي تعاطف مع جوى واستنفر كل وسائل التواصل لأجلها، صمت عن جريمة مذبحة التضامن عندما خرجت للعلن وعندما نفتها في الأمس وزارة خارجية الأسد بكذب واضح وخطاب خشبي وقح.
ولكن عندما عرفنا سر تعاطف شريكنا المؤيد في الوطن مع قضية جوى ووقوفه إلى جانب أهلها زال الاستغراب والعجب، فالطفلة جوى من الطائفة العلوية، وليست (سنية مسكينة) كحال أولئك الذين قتلهم أمجد يوسف وجماعة جيش الأسد في التضامن، فدماؤهم، وهم العشرات، أرخص على الأسد وشركاء الوطن المؤيدين، من أن يطالبوا بإعدام شخص واحد على الأقل، وبينما يجب إعدام من قتل الطفلة جوى وعلى العلن، (ونحن نؤيد مطلبهم هذا) نجدك يا شريكي المؤيد في الوطن. تصمت أو تشجع على قتل ألاف الآمنين من شركائك الآخرين في الوطن وكأننا أمام المشهد الذي صوره الشاعر بقوله:
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر… وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر
فيا شريكي المؤيد في الوطن، من منّا الطائفيّ والإرهابيّ؟!
مقالات الرأي التي تنشرها المؤسسة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المؤسسة
-------------------------------------------------------------------------------------
الحقوق الفكرية محفوظة لصالح المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2022