المعارضة.. هي التأييد الأكبر

المعارضة.. هي التأييد الأكبر
وليام سيجري، كاتب سوري.
بعد سقوط حكم الأسد الاستبدادي الذي دام لخمسة عقود، ذرف غالبية السوريين دموع المفقود الذي أبصر النور بنهاية النفق. تمّلك الأمل الشعب، إلا أن بعضه وممن يهتفون باسم الثورة منذ 2011، لم يستبشروا خيرا. عيّن أحمد الشرع المعروف بأبو محمد الجولاني نفسه رئيسا انتقاليا للجمهورية العربية السورية. جزء كبير من السوريين في الداخل والمهجر عارضته لأسباب مختلفة. لن أناقش في هذا المقال شرعية الرئيس الانتقالي أحمد الشرع أو انتقد سلطة أمر الواقع. هذا المقال سيكون محاولة لتسليط الضوء على أهمية المعارضة وحيويتها في العملية السياسية التي فقدها السوريين منذ تسلّم عائلة الأسد زمام الحكم عام .1971
قبيل شروعنا وجب التنويه بأن المقال لا يهدف للتجييش أو التحريض أو حتى النقد، بل هو نافذة لرؤية الواقع بطريقة. مختلفة لعلها تنير الدرب ليسير الشعب السوري ببلاده للخلاص والاستقلال التام
إن المعارضة السياسية أو غير السياسية، لدائما كانت حجرا اساسيا لتأسيس ومتابعة أي مشروع. المعارضة هي الرأي الآخر الذي يمكن أن يوازن المعادلة السياسية ويمنع تغوّل السلطة. على سبيل المثال، عندما يُقال إن مياه البحر زرقاء، فإن المعارضة قد ترد بأن المياه بلا لون، بل تعكس لون السماء. إن المعارضة لا ولم لن تقلل من مقدار القائل بشكل شخصي، بل من مقدار حجته التي قد تكون صائبة أو مخطئة. هذا الاختلاف يثري الحوار ويوسع زوايا الرؤية
إن الشعوب، في جوهرها، لا تهتم بمن يحكم بقدر ما تهتم بالأداء والإنجازات. ففي السلفادور، لم يكن لأصول الرئيس نجيب بُقيلة الفلسطينية تأثير على اختيارات الناخبين، ما دام يعمل على محاربة العصابات واستتباب الأمن. كذلك، لا يهم الشعب ديانة الحاكم أو قوميته، ما دام يؤدي واجباته كخادم للأمة. غير أن الخطأ وارد، وهنا يأتي دور المعارضة كبديل ضروري يقدم رؤية مختلفة، وإذا أخفقت، فمن حق الشعب البحث عن خيارات أخرى. هذا التنوع في الطروحات هو ما يجعل النظام. السياسي أكثر مرونة وقابلية للتطور
المعارضة كأداة تصحيحية
المعارضة لا تعني حمل السلاح أو بث الفوضى، بل تكمن مهمتها الرئيسية في نقد سياسات الحكومة بموضوعية، واقتراح بدائل تحقق نتائج أفضل. إنها أداة لتصحيح المسار، وليست وسيلة للهدم أو التشكيك بحد ذاته. إن وجود معارضة قوية يخلق بيئة سياسية صحية تتيح تحسين الأداء الحكومي باستمرار. إن المعارضة هي دعم الدولة ولا السلطة، المعارضة تحاول. الاستفادة القصوى من مؤسسات البلاد لخدمة الشعب
عندما تعارض قرارًا معينًا، فأنت لا تعادي صانعه، بل تمنحه فرصة للتفكير من جديد، لتعديل قراراته أو تحسينها. بهذا المعنى، المعارضة هي شكل من أشكال التأييد غير المباشر، حيث تدفع بالحكومة لاتخاذ قرارات أكثر حكمة، وتسهم في بناء. وطن ديمقراطي قائم على المشاركة
المعارضة ضرورة لا خيار
إن محاولة قمع المعارضة أو إقصائها لا تؤدي إلا إلى خلق نظام استبدادي يعيد إنتاج الأزمات. فالمعارضة الواعية ترفع من مستوى الوعي السياسي لدى الشعب، وتساهم في بناء وطن حر ومستقل، بعيدًا عن التدخلات الخارجية والمؤامرات التي غالبًا ما تجد في الأنظمة القمعية بيئة خصبة.
تاريخيًا، قدمت سوريا مثالًا بارزًا على دور المعارضة الوطنية، عندما أعلن فارس الخوري، السياسي المسيحي، معارضته للحماية الفرنسية لمسيحيي سوريا من المسلمين. صعد إلى منبر الجامع الأموي ونطق بالشهادتين، فخرج مسيحيو دمشق. يهتفون "لا إله إلا الله"، بمشهد وطني أزعج الفرنسيين الذين سعوا آنذاك إلى تقسيم سوريا لدويلات
معارضة بناءة أم هدامة؟
المعارضة الحقيقية لا تهدف إلى تدمير الدولة أو إقصاء أي طرف، بل تسعى إلى تصحيح المسار من خلال النقد والتنبيه. إن حاولت المعارضة الإساءة للدولة ومؤسساتها والممتلكات العامة والخاصة، فهذه معارضة غير ناضجة ونتائجها لن تكون لصالح البلاد. فالمعارضة التي تطالب بتقسيم البلاد ليست إلا أداة في يد القوى الطامعة التي تسعى إلى إضعاف سوريا. وتحقيق مكاسبها الخاصة
الغالبية العظمى من السوريين، الذين لم يختبروا الحرية السياسية أو الحياة السياسية الفاعلة، يُسيئون فهم جوهر المعارضة. ينظر إليها الكثيرون كقوة تسعى لتدمير البلاد والحكومة، لا كآلية ضرورية للتقدم. هذا الجهل السياسي والخوف من كلمة "معارضة" هما إرث مباشر لحكم نظام الأسد الشمولي والاستبدادي، الذي خنق الخطاب السياسي وقضى على أي مظهر من. مظاهر الممارسة الديمقراطية لأكثر من خمسة عقود
في النهاية، لا يمكن بناء دولة ديمقراطية دون معارضة حقيقية تسهم في توجيه السياسات وتصحيح الأخطاء. إن وجود معارضة ناضجة هو الضامن لاستمرارية الدولة وقوتها، وهو ما تحتاجه سوريا اليوم أكثر من أي وقت مضى
مقالات الرأي التي تنشرها المؤسسة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المؤسسة
-------------------------------------------------------------------------------------
الحقوق الفكرية محفوظة لصالح المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام © 2025