وقف إطلاق النار في "قدسيا والوعر" .. مصالحات وطنية أم ضغوط دولية
الكاتب : سامح اليوسف
تاريخ النشر: السبت 2015/12/19
بعيدا عن الجدل الإعلامي والسياسي حول نتائج التدخل الروسي العسكري الذي بدأ في سورية منذ 30/أيلول/2015 ، لجهة تحقيق الأهداف المرجوة للتدخل العسكري من عدمها، إلا أنّ ما يمكن لحظه والجزم به هو ظاهرة التسويات واتفاقيات وقف إطلاق النار أو المصالحات كما يسميها النظام في سورية، والتي تلت التدخل الروسي في البلاد عسكريا.
ويرى بعض المراقبين أنّ المبعوث الدولي إلى سورية السيد "ستيفان دي مستورا" هو من يقف وراء انتشار ظاهرة التسويات والاتفاقيات في سورية بناء على أحد بنود مؤتمر فيينا الثاني الذي جمع الدول الكبرى ودولا إقليمية لبحث آفاق التسوية السلمية في سورية ، حيث ينص الاتفاق في أحد بنوده على البدء بتطبيق وقف فوري لإطلاق النار في مختلف المناطق السورية الساخنة.
ويعتبر هذا الفريق أنّ هذه الاتفاقيات الجزئية هي مقدمة للوصول إلى وقف إطلاق نار نهائي في جميع المناطق قبل البدء بتطبيق باقي بنود مؤتمر فيينا الثاني الذي عقد بتاريخ 24 تشرين الثاني 2015
في حين يرى فريق آخر من المراقبين أنّ روسيا من تقف وراء هذه التسويات كي تحقق في السياسية ما عجزت عن إنجازه عسكريا.
وقد أفردت المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام هذا التقرير للوقوف على أهم الاتفاقيات التي تحققت والتي لم يكتب لها النجاح بعد التدخل (العدوان) الروسي على سورية.
أولا: التسوية في قدسيا 2015/12/1
نصت التسوية أو الاتفاقية طبقا لبعض وسائل إعلام النظام والمعارضة على خروج /135/ معارضا مسلحا مع عائلاتهم إلى مدينة إدلب في الشمال السوري التي تسيطر عليها قوات في مقابل فك قوات النظام حصارها على قدسيا المستمر منذ نحو خمسة أشهر تقريبا.
وذكرت وكالة الأنباء الرسمية للنظام(سانا) أنّ أكثر من 100 مسلح خرجوا من قدسيا بدون أسلحتهم فيما لم يحدد مراسل الوكالة الذي نقل الخبر وجهة المسلحين.
وتقع قدسيا في ريف دمشق الغربي وهي تبتعد ستة كيلو مترات فقط عن قلب العاصمة دمشق ويحيط بها عدد من المواقع العسكرية الكبيرة التابعة لقوات النظام.
ويشار إلى أنّه تمّ توقيع اتفاقية سابقة بين قوات المعارضة وقوات النظام في قدسيا إلا أنّه تم اختراقها من قبل قوات النظام التي اتهمت قوى المعارضة باختراقها.
ثانيا : تسوية حي الوعر في حمص 2015/12/5
بحضور ما يسمى وزارة المصالحة الوطنية لدى النظام في سورية ورئيس شعبة المخابرات العامة اللواء ديب زيتون، ومحافظ حمص طلال البرازي، إضافة إلى سفير الأمم المتحدة في سورية يعقوب الحلو، وخولة مطر مديرة المكتب السياسي للمبعوث الأممي إلى سوريا "ستيفان دي مستورا"، تمّ التوقيع على اتفاقية الوعر بين قوات المعارضة وقوات النظام بداية شهر كانون الأول ودخلت أولى دفعات الإغاثة إلى الحي المحاصر صباح السبت في الخامس من الشهر ذاته.
وقد تضاربت الأنباء حول بنود الاتفاق، فيما تقول مصادر النظام أنّ الاتفاق نصّ على خروج المسلحين مع أسلحتهم وعائلاتهم ومن يريد الخروج وقبول من يريد تسوية وضعه وبقاءه في الحي مقابل فك الحصار ، وعودة الحي إلى سيطرة قوات النظام بشكل كامل، إلا أنّ مصادر معارضة من داخل الحي المحاصر ذكرت لوحدة الرصد والمتابعة في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام أنه خرج من الحي /300/ مسلح لا ينتمون لفصائل معينة، من معظمهم يرفضون اتفاقية وقف إطلاق النار مع قوات النظام.
وأكدت المصادر أن الحي لن يخرج من أيدي قوات المعارضة كما يروج إعلام النظام لكن المعارضة ملتزمة بالتهدئة ووقف العمليات العسكرية من أجل تأمين ظروف ملائمة لتنفيذه وتسليم السلاح الثقيل داخل الحي لقوات النظام.
ويشار إلى أنه في صباح التاسع من كانون الأول خرج ما يقارب 811 شخصا من الحي برفقة الأمم المتحدة إلى الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ وعدد من المصابين بإصابات حرجة، إضافة إلى عدد من المعاقين.
ويعتبر حي الوعر آخر معاقل المعارضة المسلحة في حمص ويقطنه قرابة 100 ألف مواطن غالبيتهم من النازحين والمهجريين من باقي أحياء حمص التي دمرتها قوات النظام في سورية قبل أن ينتزعها من قبضة المعارضة المسلحة، وقد سبقت هذه الاتفاقية عدة محاولات لوقف النار في الحي باء جميعا بالفشل.
وتسيطر قوات النظام منذ بداية شهر أيار 2014 على مجمل مدينة حمص بعد انسحاب نحو ألفي عنصر من مقاتلي المعارضة من أحياء حمص القديمة بموجب تسوية بين ممثلين عنهم وآخرين عن السلطات في سورية بعد عامين من حصار خانق فرضته قوات النظام.
ثالثا : اتفاقية وقف إطلاق النار الفاشلة في الغوطة الشرقية المحاصرة
ترددت أنباء كثيرة في أواخر شهر تشرين الثاني عن اتفاقية لوقف اطلاق النار بين فصائل المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية والنظام في سورية برعاية روسية.
وقد ذكر الشيخ سعيد درويش أحد وجهاء الغوطة الشرقية ورئيس الهيئة الشرعية في دمشق وريفها في تسجيل مصور على اليوتيوب أن وسيطا دوليا عرض عليه هاتفيا اتفاقية لوقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية تمتد لأسبوعين متتالين كاختبار حسن نية بين الطرفين.
وأضاف أنه بحسب الوسيط الذي رفض كشف هويته للشيخ أنه في حال التزم الطرفان بوقف إطلاق النار تمدد الاتفاقية لمدة ستة أشهر يتم خلالها فتح المعابر بين دمشق وغوطتها الشرقية لإدخال المساعدات الإنسانية والطبية.
إلى ذلك وزع الشيخ درويش ورقة على جميع الفصائل العسكرية في الغوطة تضمنت شروط التسوية، وفي الأثناء شاع خبر الاتفاقية في الغوطة الشرقية المحاصرة وفي دمشق وقد تداولت الخبر عدد من الوكالات والمراكز الإعلامية المعارضة والموالية.
وقد أبدت معظم فصائل المعارضة المسلحة داخل الغوطة الشرقية موافقتها الضمنية عدا جبهة النصرة التي رفضت الاتفاق ضمنيا هي الأخرى وبقي الأمر معلقا دون أي تصريحات رسمية من جميع الأطراف حتى صدر تصريحا رسميا من زعيم جبهة النصرة أبي محمد الجولاني في مؤتمر صحفي في 13 كانون الأول بثته قناة أورينت، حيث أقر فيه أن جبهة رفضت الاتفاق وحالت دون حدوثه.
وبعد قرابة أسبوعين من حديث التسوية ووقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية عاد القصف الجوي والمدفعي من قبل قوات النظام وحلفائه الروس على مدن الغوطة الشرقية كما فتحت قوات النظام جبهة مرج السلطان من جديد كدليل مؤكد على فشل الاتفاقية.
وكانت المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام قد أجرت استطلاعا للرأي في الغوطة الشرقية نشر في 2/12/2015 أظهر أن نسبة 81.2 بالمئة من سكان الغوطة الشرقية يؤيدون وقفا سريعا لإطلاق النار مع النظام السوري شريطة أن لا يؤثر سلبا على مناطق أخرى ساخنة في ريف دمشق مثل داريا والمعضمية.
رابعاً : قرار أممي جديد حول سورية
ومما قد يعزز ارتباط عمليات وقف إطلاق النار التي حصلت في سورية في عدة مناطق وفشلت في أخرى بالمجتمع الدولي وبالمبعوث الدولي ومجموعة دعم سورية التي تشكلت في فيينا، هو تصويت مجلس الأمن الدولي الجمعة 18/12/2015 بالإجماع على مشروع قرار أميركي يدعم خارطة طريق دولية لعملية السلام في سورية، ينص على وقف إطلاق النار وانطلاق عملية سياسية موازية، عملا ببيان جنيف لعام 2012، وبيان فيينا في 14 تشرين الثاني 2015 ويعرب في هذا الصدد عن تأييده لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء سوريا.
كما ينص مشروع القرار الذي حمل رقم /2254/ على أن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل سوريا، ويطالب بوقف أي هجمات ضد المدنيين بشكل فوري، ويدعو لتشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية.
ويدعو القرار الأمم المتحدة إلى رعاية حوار بين ممثلي النظام السوري وفصائل المعارضة بداية من يناير/كانون الثاني المقبل.
في حين لم يشر القرار إلى مصير الأسد وبقي مبهما كمان كان في مؤتمر جنيف الأول في 30/حزيران 2012 ، إضافة إلى أنّ خلافا جديدا ظهر على الساحة وهو أن روسيا وإيران أبدتا عدم رضاهما عن فريق المعارضة - الذي سيفاوض وفد النظام بداية العام المقبل طبقا للقرار الأممي- الذي نتج عن مؤتمر الرياض في 10/12/2012 ، وهو ما اعتبرته أطراف معارضة للنظام تقويض للمؤتمر ولفرص تحقيق الانتقال السلمي في سورية.
--------------------------------------------------------------------------------------
الحقوق الفكرية محفوظة لصالح المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام @2015