حقوق الإنسان في ظل تفشي خطابات الكراهية على منصات التواصل الاجتماعي السورية
حقوق الإنسان في ظل تفشي خطابات الكراهية على منصات التواصل الاجتماعي السورية
فراس حاج يحيى محام وباحث قانوني سوري له عدة أبحاث منشورة في مجلات علمية محكمة، حاصل على ماجستير في حقوق البيئة والتخطيط وحقوق التنظيم العمراني من كلية الحقوق جامعة ليموج في فرنسا.
تزامنت الثورة السورية عام 2011 مع تطورات تكنولوجية إعلامية ذات طابع جماهيري، بحيث أتيحت للسوريين منصات التواصل الاجتماعي وخاصة الفيس بوك بمثابة مواقع إعلامية وصحفية شخصية، بإمكان الشخص أن يكتب وينشر ما يجده مناسبًا له، دون رقابة قانونية وحتى أخلاقية بعد تصحر اعلامي وصحافة لعقود من التاريخ وبالتحديد من وصل البعث الى الحكم 1963-2011، وقد برزت خطابات الكراهية بين السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي على خلفية الخلافات السورية المتعددة منها السياسية والدينية والطائفية وحتى المناطقية إثر انتفاضة 2011 ، والتي انعكست على حقوق الإنسان بشكل عام والحقوق الفردية أو الشخصية بشكل خاص وعلى السوريين كافة في الداخل والخارج.
وعلى الرغم من عدم وجود تعريف موحد في القانون الدولي لمفهوم الكراهية، ولكن يمكن أن نشير إلى ما جاء في وثيقة للأمم المتحدة بخصوص الكراهية " أي نوع من التواصل الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى على أساس الدين، أو الانتماء الإثني، أو الجنسية، أو العرق، أو اللون، أو الأصل، أو نوع الجنس، أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية".
يعد الحفاظ على حقوق الإنسان أمرًا أساسيًا في المجتمعات المدنية، وتُعد المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان دليلًا هامًا للقوانين والسياسات. يشمل ذلك حقوق التعبير وحرية الرأي، والتي يتعين أن تتسق مع التزامات الدولة تجاه حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا.
وتجرم القوانين والاتفاقات الدولية خطابات الكراهية، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، خاصة خطابات الكراهية التي تثير التمييز، أو العداء، أو العنف ضد أي مجموعة بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو الدين، أو اللغة، أو الأصل القومي، أو الاجتماعي، أو أي وضع آخر.
وكذلك تجرم اتفاقية روما المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية التحريض على الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
وتحظر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التمييز العنصري جميع أشكال التمييز العنصري، بما في ذلك خطابات الكراهية. وبشكل خاص، الدول التي تشهد نزاعات مسلحة والتي عادة ما تكون أكثر عرضة لخطابات الكراهية، حيث يمكن أن تستغل هذه الخطابات لتأجيج التوترات الاجتماعية وتعزيز التمييز والعنف. وفي هذا السياق، أصدرت الأمم المتحدة عددًا من المبادرات والقرارات المتعلقة بمواجهة خطابات الكراهية في الدول التي تشهد نزاعات مسلحة، بما في ذلك: قرار مجلس الأمن رقم 2178 للعام 2014 والذي يدعو القرار إلى اتخاذ تدابير لمكافحة خطابات الكراهية والتمييز.
وقد تضمن الإطار التنفيذي للأمم المتحدة مجموعة من المبادئ والممارسات الت ي تعمل على تعزيز سيادة القانون وحفظ السلام ومنع النزاعات في حالات النزاع المسلح، بما في ذلك مكافحة خطابات الكراهية.
وكذلك الكراهية بين السوريين على منصات التواصل الاجتماعي على المستوى الفردي والمجتمعي لا تخرج عن الإطار العام للمفهوم، ولكن بخصوصية تستند الى نتاج مركب لمنظومة العوامل السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، النفسية، والثقافية السائدة في مرحلة الحرب السورية التي تلت انتفاضة 2011 وما قبلها ، والتي ربما تعود الى عقود من السنيين ، والتي ألقت بظلالها الكثيف في تشكيل أنماط الكراهية المعرقلة لنهضة سورية في المستقبل.
تعد خطابات الكراهية المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة الآليات التي تسهم في نقل الرفض والعداء من أفراد وجماعات وحتى تيارات سياسية ومدنية سورية تجاه أخرى، والتي تأخذ شكل التحريض على العنف بأشكاله المتعددة (العنصرية، الدينية، الطائفية، وحتى الجنسية).
وقد تنوعت خطابات الكراهية على منصات التواصل الاجتماعي في سوريا، والتي يمكن تصنيفها بالتالي:
1-خطابات الكراهية العرقية، التي تستهدف فئات معينة من المجتمع بناءً على عرقهم أو لونهم أو أصلهم القومي وقد برزت لدى بعض الناشطين السياسيين السوريين العرب والكرد في مناطق شمال شرق سوريا حيث، سيل شتائم الكراهية المتبادلة بينهم على صفحات التواصل الاجتماعي حيال أي حدث كان، خاصة الأحداث الدائرة في الشمال والشمال الشرقي من سوريا.
2-خطابات الكراهية الدينية: وهي خطابات تستهدف فئات معينة من المجتمع بناءً على دينهم أو معتقداتهم الدينية. وبالتالي انتقل المجتمع السوري الفسيفسائي -دينيًا وطائفيًا- من حالة التعايش المعلنة بقوة النسق السلطوي الأمني، إلى حالة النزاع العنفي الطائفي في زمان ومكان معينين ، حتى لو اختفى فيما بعد عن الأنظار، نتيجة عودة هيمنة النسق السلطوي الأمني، فهو أي -النزاع الطائفي- كامن في الأعماق ينتظر لحظة انفلاته على الجبهات العنفية لدى جميع الطوائف.
3-خطابات الكراهية الايديولوجية المتبادلة في سوريا والبارزة بشكل كبير، وخاصة الكراهية المتقابلة بين التيارات العلمانية المدنية والتيارات الاسلامية الراديكالية ، حيث صار هذا النمط حاكماً للتفاعلات في سوريا في سنوات الثورة والحرب التي تلتها حيث حاولت التيارات الإسلامية الراديكالية وصم نظيرتها المدنية (سواء كانت ليبرالية أو يسارية) بأنها معادية للدين الإسلامي وداعمة للنظام السوري ، في حين تتهم التيارات المدنية نظيرتها الإسلامية بممارسة الارهاب والمظلومية لتحقيق مآربها الخاصة في الوصول الى السلطة وإقصاء الآخرين .
5-خطابات الكراهية السياسية: وهي خطابات تستهدف فئات معينة من المجتمع بناءً على انتماءاتهم السياسية أو آرائهم السياسية، حيث من المعروف أن السياسة هي المجال الخصب والأبرز لممارسة الأفعال التي تمكن الإنسان من التعبير عن نفسه وعن ثقافته، ومن هنا فإن متابعة ما يُحرّر في وسائل التواصل الاجتماعي خاصة (الفيسبوك) من آراء سياسية، في ما يخص بعض الموضوعات والأحداث السياسية الخاصة بالقضايا السورية، تُظهر استمرار ثقافة الكراهية الإقصائية لدى أغلب السوريين المعارضين، من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي سلاحًا لقمع الآخر المختلف .
5-خطابات الكراهية الجنسية: وهي خطابات تستهدف فئات معينة من المجتمع بناءً على ميولهم الجنسية أو هويتهم الجندرية.
أم الجهات الفاعلة الرئيسية في نشر خطابات الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي فهي الأفراد وعلى خلفية الانتقام الفردي ضد أشخاص آخرين، والمجموعات (الشلل) السياسية بهدف تعزيز أجندتها السياسية، الأيديولوجية بهدف نشر أفكارها، وكذلك العرقية، الدينية والطائفية والمناطقية، بهدف الانتقام على موضوعات تتعلق بسرديات تتعلق باصطدامات عرقية طائفية حدثت بالماضي القديم، ويشك في صحة وقوعها.
أما أثار هذه الخطابات الكراهية المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي على حقوق الإنسان في سوريا تظهر في تقويض حقوق الفرد بالتعبير عن أرائه السياسية وحتى الاجتماعية، حيث الشعور بأن هناك من يترصد عباراته وسوف يتصدى له بلغة الكراهية وليس على أسس الحوار والنقاش الرصين، وبالتالي التشجيع لفئات معينة على التمييز والعنف. فمثلاً، قد تستهدف هذه الخطابات اللاجئين في الخارج، وحتى بين اللاجئين تبعًا للبلد المستضيف (الدول العربية، تركيا، أوروبا، والأمريكيتين، واستراليا)، أو النازحين أو الأقليات الدينية أو العرقية، مما يؤدي إلى شعورهم بالخوف والإقصاء، ويحد من مشاركتهم في الشأن العام السوري.
أيضًا دور خطابات الكراهية في تأجيج النزاع الدائر في سوريا، وتعد أحد المحركات الرئيسية لتصاعد التوترات الاجتماعية بين السورين كافة، مما يؤثر سلبًا على الوضع الإنساني ويجعل حقوق الإنسان مهددة. فمثلاً، قد تؤدي خطابات الكراهية إلى تفاقم العنف الطائفي أو العرقي، مما يؤدي إلى نزوح المزيد من الناس وتعرضهم للخطر.
أيضًا لا بد من التنويه الى دور بعض القوى الدولية والإقليمية في التدخل في النزاع السوري ومساهمتها في تأجيج خطابات الكراهية ضد السوريين في بعض البلدان المستضيف لهم، ما يعزز التمييز ويعرقل جهود حقوق الإنسان. فمثلاً، قد تدعم بعض القوى خطابات الكراهية ضد فئات معينة، مما يؤدي إلى انتهاكات لحقوق الإنسان.
وبإيجاز أدت خطابات الكراهية على منصات التواصل الاجتماعي إلى:
- تقييد حرية التعبير، حيث قد تخشى الأشخاص من التعبير عن آرائهم أو معتقداتهم خوفًا من التعرض للهجوم أو التهديد.
- التمييز ضد فئات معينة من المجتمع، مما قد يؤدي إلى حرمانهم من حقوقهم الأساسية، مثل الحق في العمل أو التعليم أو السكن في بعض المناطق السورية.
- أدت خطابات الكراهية إلى ممارسة العنف، حيث قد ارتكب بعض الأشخاص أعمال عنف ضد فئات معينة من المجتمع.
وبتكثيف يمكن تحديد العوامل التي تقف وراء استمرار خطابات الكراهية بفاعلية في الوقت الحالي بين السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي:
1-عدم تحقق الانتقال السياسي لدولة الحقوق والقانون.
2-اشتداد المظلوميات الأهلية نتيجة للعنف العام.
3-استمرار السلطة القائمة.
4-قصور الرؤية الذاتية المحلية للحل السوري.
5-اشتداد الفقر والتميز العام بين السوريين.
ولمواجهة خطابات الكراهية بفاعلية على منصات التواصل الاجتماعي في سويا يتطلب جهودًا مشتركة من كافة المؤسسات المعنية في مواجهة هذه الخطابات، من تعزيز القوانين والسياسات التي تتصدى لخطابات الكراهية بما يتوافق مع المعايير الدولية. وتشمل هذه القوانين والسياسات، تجريم خطابات الكراهية، بما في ذلك التحريض على العنف أو التمييز، وتعزيز حماية حقوق الأفراد من خطابات الكراهية، وإنشاء آليات رسمية لرصد ومكافحة خطابات الكراهية.
بالإضافة الى التركيز على جهود التثقيف والتوعية مخاطر خطابات الكراهية وآثارها السلبية على حقوق الإنسان من خلال نشر المعلومات حول خطابات الكراهية وأشكالها وتأثيراتها، وتعزيز الحوار والتواصل بين مختلف فئات المجتمع، وتشجيع الأفراد على الإبلاغ عن خطابات الكراهية.
والعمل على دعم منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك تلك التي تتصدى لخطابات الكراهية من خلال توفير التمويل والإمكانات اللوجستية. والتعاون في تنفيذ البرامج والأنشطة. وتأمين الحماية الكافية للمدافعين عن حقوق الإنسان من الانتهاكات.
كذلك يجب أن تتعاون الدولة السورية في المستقبل مع المجتمع الدولي لمكافحة خطابات الكراهية، بما في ذلك من خلال المشاركة في المبادرات الدولية والإقليمية المتعلقة بهذا الموضوع.
وبشكل عام، فإن الحد من خطابات الكراهية على منصات التواصل الاجتماعي في سوريا يتطلب جهودًا طويلة الأمد وشاملة، تستهدف مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية والقانونية.
أخيرًا ، يمكن القول أن خطابات الكراهية على منصات التواصل الاجتماعي في سوريا تشكل تهديدًا خطيرًا على مستقبل تماسك المجتمع السوري ، وبالتالي يتوجب على السوريين العقلاء كافة دون استثناء رفض ثقافة الكراهية صراحة وبكل أشكالها العلنية وغير العلنية (ضمن المجموعات الدينية، المذهبية ،الطائفية وحتى السياسية) والاتجاه نحو إطلاق حوار سوري- سوري بين السوريين كافة، حوار شفاف وفعال لبناء الهوية السورية الجامعة للسوريين كافة، وحل الخلافات كافة على أسس بعيدة عن لغة الكراهية (القتل والإبادة والإقصاء) على أسس القيم الوطنية والإنسانية الجامعة للسوريين كافة.